في المشهد السياسي المغربي، حيث تكثر التصريحات وتقل القناعة، يطل محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، ليقدم خطاباً مختلفاً، صريحاً ومشحوناً برسائل موجهة إلى الداخل الحزبي وإلى عموم المواطنين. الحوار الذي أجراه مع موقع Le360 لم يكن مجرد تصريحات عابرة، بل أقرب إلى كشف حساب سياسي يضع الحكومة في قفص الاتهام، ويعيد الاعتبار لخطاب حزبي يريد أن يقنع المواطن العادي، لا أن يكتفي بترف اللغة الخشبية.
البيت الحركي… وحدة تتجاوز الخلافات
أول ما شدّد عليه أوزين هو أن الحركة الشعبية، رغم ما يُتداول إعلامياً عن “أزمات داخلية”، تبقى متماسكة، بل “بخير وعلى خير”. فالعلاقة مع إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بالبرلمان، ليست صراعاً على الزعامة، بل استمرار لمسار نضالي يتجاوز ثلاثة عقود. أوزين بدا حريصاً على تفنيد روايات “الخلافات العائلية” و”الحروب الانتخابية”، مؤكداً أن أسماء مثل فاطمة الزهراء السنتيسي تمثل كفاءات حزبية حقيقية، وأن التباينات لا تخرج عن إطار النقاش الطبيعي داخل أي مؤسسة سياسية.
بهذا الخطاب، يسعى الأمين العام إلى تقديم صورة حزب مستقر داخلياً، في وقت تنهش الانقسامات أحزاباً أخرى داخل الأغلبية الحكومية.
الحكومة… أرقام بلا أثر
الرسالة الأقوى في حديث أوزين كانت موجهة إلى الحكومة. فهو يرى أن الأوراش الكبرى التي تتغنى بها ـ من الحماية الاجتماعية إلى إصلاح التعليم والصحة ـ تبقى مشاريع ناقصة التنزيل، لا يلمسها المواطن في حياته اليومية. الحكومة، في نظره، لا تقدم سوى “أرقام مهولة” لا تعني شيئاً للساكنة البسيطة، التي ما زالت تعاني من فواتير الماء والكهرباء، من مستشفيات تُسمى “مستشفيات الموت”، ومن مدارس قروية لم تفتح أبوابها في بداية الموسم الدراسي.
هنا يظهر بوضوح أسلوب أوزين التحليلي: لا يكتفي بانتقاد الخطاب الرسمي، بل يواجهه بوقائع من الميدان، من تلسينت إلى القرى الحدودية، حيث الأطفال بلا تعليم والفلاحون بلا ماء، وحيث الوعود الحكومية تتحول إلى “شعارات وردية” لا تسد رمقاً ولا تعالج مرضاً.
الدولة الاجتماعية… من المشروع إلى الواقع
يقرّ أوزين بأن فكرة الدولة الاجتماعية مشروع ملكي بامتياز، لكن تنزيلها من طرف الحكومة ظل ضعيفاً. التغطية الصحية مثلاً، رغم أهميتها، تحولت إلى مجرد “بطاقة” لا توفر الخدمة، والتعليم ما زال يتراجع رغم الأرقام الرسمية المتفائلة. وهنا يطرح سؤالاً جوهرياً: هل نحن أمام إصلاحات حقيقية أم مجرد سياسات ترقيعية تُدار بالخرجـات الإعلامية؟
العالم القروي… الغائب الأكبر
من النقاط التي شدد عليها أوزين هو استمرار التفاوت الصارخ بين المغرب “المركزي” والمغرب “المنسي”. القوانين التي تقدمها الحركة الشعبية، مثل قانون الواحات أو قانون الجبل، لم تلقَ التفاعل المطلوب، في وقت يظل فيه الشريط الحدودي، الممتد على ألف كيلومتر، منطقة ميتة تنموياً.
اقتراحه بإنشاء وكالة خاصة لتنمية المناطق الحدودية يكشف رؤية استراتيجية غائبة عن الأغلبية الحكومية، ويعكس تمسك حزبه بمرجعيته التاريخية كحزب انبثق من العالم القروي.
الحصيلة الحكومية… ضعف على كل المستويات
في المحصلة، يرى أوزين أن الحكومة تأخرت في كل المؤشرات الأساسية: الصحة، التعليم، التشغيل، التنمية البشرية. بل إن وعدها بخلق مليون منصب شغل تحول إلى عبء إضافي على سوق العمل، حيث البطالة تتفاقم، والفرص تضيع.
خطاب أوزين هنا ليس مجرد معارضة تقليدية، بل محاولة لإعادة توجيه النقاش العام: من “الأرقام الرسمية” إلى “الواقع المعاش”، ومن “النجاحات الإعلامية” إلى “إخفاقات الميدان”.
أوزين يشكك في حصيلة الحكومة ويطلق انطلاق “البديل الحركي” قبل انتخابات 2026


