مداخل تعزيز دولة المؤسسات في البرنامج الانتخابي للاتحاد الاشتراكي

0
221

فتح الله رمضاني

أدى انتشار  الأفكار المرتبطة  بالحداثة السياسية، إلى اقتناع جل الأنظمة السياسية بضرورة الاجتهاد  في عملية تكريس قيم ومبادئ الديمقراطية، التي تؤدي بشكل مباشر إلى ترسيخ مقومات دولة المؤسسات، بكل ما تمثله من مميزات ومحددات مرتبطة بسيادة القانون وفصل واضح للسلط، وبتجاوز لكل أشكال وتمثلات الدولة الإمبراطورية، حيث أصبحت شرعية السلطة مرتبطة بحسن توزيعها بين مجموعة من المؤسسات ذات الاختصاصات المحددة شرطا بالقانون.

فدولة المؤسسات هكذا، هي بكل بساطة دولة القانون، أي الدولة التي يتحقق فيها شرط سيادة القانون، لكنها أيضا دولة الحقوق، إذ تستلزم لقيامها كذلك ضمان احترام حقوق وحريات المواطنين، لتكون دولة المؤسسات بهذا المعنى هي دولة الحق والقانون.

 بالنسبة للمغرب، وفي ارتباطه بدولة المؤسسات التي انخرط في بنائها وتحديثها منذ استقلاله، وبالرغم من كل ما يمكن أن يقال عن مسار البناء هذا، فجميع الدارسين يجمعون على أن  دستور  2011، قد شكل بحق طفرة في هذا المسار، وقوة دفع حقيقية في اتجاه ترسيخ أسس دولة الحق والقانون، حيث أكد المشرع الدستورس ومنذ الفصل الأول من الدستور على أن نظام الحكم بالمغرب “ملكية دستورية ديمقراطية و اجتماعية و يقوم على أساس فصل السلط و توازنها و تعاونها والديمقراطية المواطنة و التشاركية و على مبادئ الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة “.

الأكيد أن دستور 2011 قد شكل إجابة فعلية على الدعوات التي كان مضمونها ضرورة انخراط المغرب في مرحلة جديدة ومتقدمة من مسلسل بناء الدولة الديمقراطية، وهي إجابة لأسئلة ومطالب عديدة، حملتها تاريخيا قوى التغيير بالمغرب، والتي يشكل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قاطرتها وطليعتها، حيث ارتبط نضال الاتحاد الاشتراكي دائما، والمحكوم  بمقومات هويته السياسية الاشتراكية الديمقراطية، بترسيخ مرتكزات النظام الديمقراطي، الذي يتمحور حول فكرة فصل السلط وتوازنها، وهو ما كان يحيل بالضرورة على فكرة إقامة دولة المؤسسات.

فبالعودة إلى أدبيات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتضح جليا أن النضال لأجل الديمقراطية، كشعار وسم كل المواقف الحزبية، وأطر كل المطالب الاتحادية، كانت غايته بناء الدولة الديمقراطية والتي تعني بالضرورة إقامة دولة المؤسسات أي دولة الحق والقانون.

وفي السياق ذاته، وككل لحظة انتخابية، وجد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نفسه اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، ملزما بالدفع في اتجاه ترسيخ مقومات دولة المؤسسات، وهو ما عكسته مقترحاته التي تضمنها البرنامج الانتخابي في ما يتعلق بالشأن المؤسساتي، خصوصا أن المرحلة التي تلت إقرار دستور 2011، كانت مرحلة “بياض” في هذا الإطار، وهي التي كان  من المفروض أن تكون مرحلة تأسيسية، مضمونها تكريس المبادئ الدستورية التي تؤسس لدولة الحق والقانون.

ومن أجل تصويب هذا الواقع، خصوصا أن تداعيات جائحة كورونا، أظهرت أنه لا بديل عن قيام الدولة القوية والعادلة، وهي الدولة التي لا يمكن تصور قيامها إلا مع دولة المؤسسات، التي تتأسس على فكرة سيادة القانون وحماية الحقوق، يعود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مسنودا بهويته السياسية، وباختياراته التاريخية، وبالمستجدات الدستورية التي أتى بها دستور 2011،  ليجدد التذكير بالمداخل الأساسية لترسيخ دولة المؤسسات القوية، وهي المداخل التي حددها في أربعة محاور وهي :

– محور أول يتعلق  بالقضايا المؤسساتية والنصوص التأطيرية اللازمة لتطوير المنظومة المؤسساتية بالبلاد، ويتمحور حول فكرة أن ما أتى به دستور 2011 من مستجدات ومكتسبات، يظل واقفا على وجود مؤسسات قوية تمارس صلاحياتها كاملة في احترام تام لفصل وتوازن وتعاون السلطات من جهة، وفي انخراط كامل في الجهوية المتقدمة من جهة ثانية،  وفي تدبير أمثل لمؤسسات الحكامة المختلفة التي أحدثها الدستور من جهة ثالثة، وفي وجود تأطير قانوني قادر على رفع إيقاع أداء مختلف هذه المؤسسات، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في الترسانة القانونية التي تحتاج لتعديل من أجل ملاءمتها مع دستور 2011 ومع احتياجات وانتظارات المغاربة، خصوصا ما تعلق منها بتقوية أدوار البرلمان، ولاسيما تعزيز أدوار وحضور المعارضة البرلمانية، وتعزيز مكانة الجماعات الترابية، خصوصا الجهة وذلك بجعلها الفاعل الأساسي في عملية تحقيق التنمية، وفي هذا الإطار يقترح الاتحاد الاشتراكي إصدار مدونة متكاملة ومنسجمة تجمع النظام الانتخابي لأعضاء الجماعات الترابية والمقتضيات المشتركة من جهة، ثم خصوصيات كل مستوى من مستويات الجماعات الترابية من جهة أخرى، عوض القوانين التنظيمية الثلاثة المتعلقة بالجماعات الترابية، ثم تقوية أدوار ووظائف مؤسسات الحكامة لتطلع بمهامها الأساسية، والمتمثلة في دعم المؤسسات المنتخبة على اعتبار أن هذه الأخيرة هي المسؤول المباشر أمام الناخبين.

– محور التأسيس لدولة الحق والقانون وترسيخ سيادة القانون من خلال تعزيز الحقوق والحريات، والتطبيق السليم والعادل للقانون، وإرساء دعائم ومقومات الحكامة، حيث يقترح الاتحاد الاشتراكي في هذا الإطار، ومن أجل تعزيز الحكامة الأمنية التي تعتبر أحد أهم مظاهر الدولة الحديثة، إحداث المجلس الأعلى للأمن باعتباره الإطار المؤسساتي الذي تتوفر فيه شروط التشاور وايجاد استراتيجيات الأمن على المستوى الداخلي الوطني والخارجي الدولي، أما من أجل تعزيز منظومة محاربة الفساد في كل تمظهراته وآلياته، فالاتحاد الاشتراكي يقترح مراجعة رزمة من القوانين  التي من شأنها أن تحد من شيوع هذه الظاهرة، لاسيما ضرورة إحداث هيئة قضايا الدولة، والتي سبق للفريق الاشتراكي بمجلس النواب أن تقدم في هذا الشأن بمقترح القانون المتعلق بهيئة قضايا الدولة، لما ستساهم به  في الحد من النزيف الو اقع في مالية الدولة، وفي محاربة أشكال الفساد المرتبطة بقضايا الدولة المالية.    

– محور إصلاح منظومة العدالة كمنظومة قائمة بذاتها تشتمل على عدة مكونات رئيسية تعتبر السلطة القضائية أحد أعمدتها عن طريق دعم وتعزيز استقلال السلطة القضائية والأمن القضائي، وهو ما انخرط فيه الاتحاد الاشتراكي في هذه الولاية، حيث يوجد على رأس وزارة العدل القيادي الاتحادي محمد بنعبد القادر، ليكون الهدف الرئيسي للاتحاد الاشتراكي في هذا الإطار متمثلا في إصلاح العدالة في منظورها الشمولي من خلال إصلاح جميع مكونات هذه المنظومة المتشعبة والتي تتجسد في ثلاث مرتكزات أساسية هي: القوانين، الجهاز المطبق لهذه القوانين الذي هو القضاء، ثم المهن المرتبطة بالقضاء.  

– محور الحقوق والحريات الأساسية، ومن منطلق  أن ترسيخ الحقوق والحريات  أحد أهم مقومات دولة المؤسسات، وانسجاما مع قناعاته ومبادئه الفكرية والسياسية، فإن الاتحاد الاشتراكي ومن خلال برنامجه الانتخابي يجدد الالتزام بالعمل على صون الحقوق والحريات، من خلال الدفع في تنفيذ مقتضيات الدستور كاملة في هذا الإطار، سواء تعلق الأمر بالحقوق السياسية والمدنية، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، أو الحقوق الفئوية، وبالإضافة إلى مجموعة من التدابير التي من شأنها تعزز احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه كونيا.   

هكذا يجدد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التزامه بالاستمرار في النضال لأجل الديمقراطية، وذلك في أفق بناء دولة المؤسسات، من خلال العمل على تقوية مؤسسات الدولة، وتحديث النصوص القانونية المحققة لذلك،  وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، من خلال التفعيل الأمثل للمقتضيات الدستورية، لتكون الولاية الحكومية القادمة، مرحلة مضمونها استنفاذ كل ما يتطلبه دستور 2011 من أجل حسن تنفيذه، وعنوانها الاستمرار في تعزيز بناء دولة المؤسسات بالمغرب.