“مدارس ‘الفرصة الثانية’ والهدر المدرسي: هل تمثل حلاً فعّالاً أم مجرد رد فعل على الإضرابات والتحديات التعليمية؟”

0
85

في ظل الأزمات المتكررة التي تشهدها المنظومة التعليمية المغربية، تتجلى أسئلة مؤرقة حول مصير فلذات أكبادنا.




هل يظل المعلمون والمعلمات في مستوى الرسالة النبيلة التي يحملونها، أم أن الإضرابات والصراعات مع الوزارة تجعلهم يكرهون الدنيا وما فيها؟ في خضم هذه المعارك، يبقى التلميذ الضحية الأولى، يتخبط بين معلم فاقد الحماس وبيئة تعليمية غير مستقرة، مما يهدد مستقبله التعليمي والاجتماعي.

1. البيئة التعليمية المتوترة وتأثير الإضرابات: لا يخفى على أحد أن الإضرابات المتكررة التي تشهدها المدارس المغربية نتيجة لتفاقم الصراعات بين المعلمين والوزارة، قد ألقت بظلالها على العلاقات بين المعلمين والتلاميذ. يشير الكثيرون إلى أن المعلم الذي يشعر بالظلم والإحباط، قد يفقد قدرته على التعامل بأمانة وحب مع تلاميذه. وهذا ينعكس مباشرة على أداء التلاميذ واستقرارهم النفسي، إذ يجدون أنفسهم محاصرين بين مطالب المعلمين وقرارات الوزارة.

تزيد التوترات من الهوة بين التلاميذ والمعلمين، خاصة في المدارس التي تشهد غيابًا مستمرًا للمعلمين نتيجة للإضرابات. وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة نسبة الهدر المدرسي، حيث يفقد الكثير من التلاميذ الحافز على متابعة دراستهم في بيئة غير مستقرة.

2. دور مدارس “الفرصة الثانية” في مواجهة الهدر المدرسي: في هذا السياق، ظهرت مدارس “الفرصة الثانية” كإحدى الحلول المطروحة لمواجهة ارتفاع نسبة التسرب والهدر المدرسي.

هذه المدارس تسعى إلى إعادة إدماج التلاميذ الذين خرجوا من النظام التعليمي الرسمي، لكنها تواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها، خاصة في ظل غياب الدعم الكافي ووجود أزمة ثقة بين المعلمين والتلاميذ.

هل يمكن لهذه المدارس أن تعوض الفاقد التعليمي وتقدم الفرصة من جديد لهؤلاء التلاميذ؟ الإجابة على هذا السؤال تظل رهينة بمدى قدرة الدولة على توفير الظروف الملائمة للتعليم في هذه المؤسسات، من خلال تحسين العلاقة بين المعلمين والوزارة من جهة، وتهيئة بيئة تعليمية تتسم بالاستقرار والمرونة من جهة أخرى.

3. العلاقة بين الإضرابات والهدر المدرسي: إذا نظرنا بعمق إلى الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، نجد أن الإضرابات تلعب دورًا كبيرًا في هذا الأمر.

كلما زادت الإضرابات، قلت فرص التعليم المنتظم للتلاميذ، ما يجعلهم أكثر عرضة للتسرب. وقد أشارت دراسات إلى أن الأطفال في الفئات الأكثر هشاشة هم الأكثر تأثراً بالأزمات المتكررة، حيث يفقدون القدرة على مواصلة تعليمهم في بيئة غير مستقرة.

علاوة على ذلك، الإضرابات المتكررة تؤدي إلى تدهور الثقة بين التلاميذ والمعلمين، وتقلل من جودة التعليم المقدم. وهذا يفاقم من الوضع أكثر في المناطق النائية، حيث تعتبر فرص “الفرصة الثانية” محدودة أساساً.

4. خاتمة واستنتاجات: في خضم هذه الأزمة المتكررة، يتوجب على الجهات المعنية إعادة النظر في طريقة إدارة الصراعات بين الوزارة والمعلمين، بما يضمن الحفاظ على مصالح التلاميذ أولاً وأخيراً.

إذا كنا نرغب في تحسين نتائج مدارس “الفرصة الثانية” وتقليل الهدر المدرسي، يجب أن نعمل على إصلاح البيئة التعليمية من جذورها. الحلول الترقيعية لن تجدي نفعاً في مواجهة أزمة بهذا الحجم، بل يجب التفكير في سياسات جديدة تدعم استقرار العلاقة بين المعلمين والتلاميذ، وتوفر الدعم اللازم لتحسين التعليم في جميع مستوياته.

تُظهر الإحصائيات الأخيرة أن نحو 331 ألف تلميذ وتلميذة ينقطعون عن الدراسة سنوياً في المغرب، مما يعكس نسبة تصل إلى 5.3% من الطلاب. ورغم الجهود المبذولة من الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة من خلال تحسين البنية التحتية المدرسية وتعزيز خدمات الدعم الاجتماعي، يبقى الواقع مقلقاً. كما أشار الخبراء إلى أن دور الأسرة قد تراجع، وهو ما ساهم في تفاقم هذه المشكلة، في ظل وجود فقر وهشاشة تميز العديد من الأسر.

علاوة على ذلك، يُعتبر ضعف التحصيل الدراسي نتيجةً لسياسات تعليمية غير ملائمة، حيث تظل المناهج الدراسية دون تغيير منذ عقدين تقريباً، مما يؤدي إلى عدم قدرة الطلاب على الاستيعاب والمساهمة الفعالة في الفصول الدراسية. وبحسب الإحصائيات، فإن 17% فقط من التلاميذ ينتقلون إلى المستوى الثانوي دون رسوب، مما يشير إلى وجود ثغرات تعليمية يجب معالجتها بشكل عاجل.

للحد من هذه الظواهر السلبية، من الضروري إعادة النظر في المناهج الدراسية وتقليص عدد ساعات الدراسة لتعزيز الفهم والتفاعل. إن إدماج أنشطة حياتية تعليمية يمكن أن يسهم بشكل كبير في تطوير مهارات الطلاب وقدراتهم، مما يحقق بيئة تعليمية أكثر إيجابية ويُجنبنا الخسائر الفادحة الناتجة عن الهدر المدرسي.