في خطوة هامة نحو تحديث القانون الأسري، كشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي في لقاء تواصلي بالرباط عن أبرز التعديلات المقترحة في مراجعة مدونة الأسرة، التي شهدت الأسبوع الماضي جلسة عمل ملكية لتناولها. وقد تطرقت التعديلات إلى جوانب عدة، مثل الميراث، تعدد الزوجات، الطلاق، والزواج المبكر، سعيًا من الحكومة لتحقيق موازنة بين حقوق المرأة وحماية الأسرة.
“إصلاحات جريئة أم حدود شرعية؟ هل تفتح التعديلات الجديدة على تعدد الزوجات الباب للمساواة الحقيقية؟”
في خطوة مثيرة للجدل، أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال حديثه عن التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة المغربية أن “إجبارية استطلاع رأي الزوجة” ستكون جزءًا أساسيًا من عقد الزواج، حيث يحق لها تحديد ما إذا كان الزوج سيشترط عدم الزواج بأخرى.
هذا التعديل قد يشكل نقطة تحول في تعريف “الحق في التعدد”، إذ يفرض القانون الجديد شرطًا صارمًا يتلخص في أنه إذا اشترطت الزوجة عدم التعدد، فإن الزوج لن يكون قادرًا على الزواج بأخرى تحت أي ظرف. لكن ماذا لو غابت هذه الشروط؟ في تلك الحالة، فإن الاستثناءات المحدودة للتعدد، مثل إصابة الزوجة بالعقم أو المرض المانع من المعاشرة الزوجية، ستكون هي الخيار الوحيد المتاح، ليظل التعدد محصورًا في مواقف استثنائية بحتة، يقدرها القاضي وفق معايير قانونية صارمة.
هل هذه التعديلات كافية لتحقيق المساواة بين الزوجين، أم أنها ستترك بعض الثغرات التي قد تستغل في المستقبل؟
لكن هل هذه التعديلات كافية لموازنة الحقوق؟ وهل تفتح هذه التعديلات المجال لتسوية غير عادلة في مواقف معقدة؟ قد يرى البعض أن المشروع يعكس تطورًا نحو تحقيق العدالة بين الزوجات، بينما يشكك آخرون في تأثير هذه التعديلات على الواقع الاجتماعي، خاصة في حالات التعدد غير المتوقعة.
النيابة والحضانة: تعزيز حقوق الأم والطفل
فيما يتعلق بالنيابة القانونية، شددت التعديلات على جعلها “حقًا مشتركًا” بين الزوجين حتى بعد الانفصال، مع تأكيد على حماية حقوق الأطفال في حالات الطلاق. ويعني هذا أن للزوجين الحق المشترك في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأبناء بعد الانفصال، بما يضمن استقرارهم النفسي والقانوني.
أما الحضانة، فقد تم تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حال زواجها بعد الطلاق. هل سيكون لهذا التعديل أثر إيجابي في ضمان استقرار الطفل أم أنه يعقد الأمور القانونية في حال حدوث نزاعات؟ قد تُرى هذه التعديلات خطوة إيجابية نحو تعزيز حماية الطفل في المغرب، ولكنها في الوقت ذاته تثير أسئلة عن كيفية ضمان تطبيق فعلي لهذه الحقوق.
الإرث: التغيير المنتظر في حقوق البنات
من أهم المستجدات التي لاقت اهتمامًا واسعًا، تمكين البنات من الحصول على “الهبات” في الحياة ضمن إطار قانوني يضمن حقوقهن في الميراث. تم أيضًا فتح المجال أمام الوصية بين الزوجين في حالات اختلاف الدين.
هل ستساهم هذه الإجراءات في تصحيح اختلالات سابقة أم أنها ستزيد من تعقيد الموضوعات الاجتماعية الحساسة في المغرب؟ هذا التعديل، الذي يسعى إلى ضمان تكافؤ الفرص بين الأبناء، قد يواجه مقاومة من بعض الأطراف التي ترى أن مثل هذه التعديلات قد تؤدي إلى تقويض الأعراف الثقافية والدينية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل سينجح المجتمع المغربي في تقبل هذه التغييرات في إطار احترام التقاليد؟
زواج القاصرين: خطوة نحو التقنين أم تساهل مع الواقع؟
أما في ما يتعلق بزواج القاصرين، فقد تم تحديد سن الزواج بـ18 عامًا مع استثناء يسمح بالزواج في سن 17 عامًا، ولكن بشروط صارمة. رغم أن هذا الإجراء يهدف إلى حماية القاصرين من الزواج المبكر، إلا أن السؤال المطروح يبقى: هل ستتمكن الحكومة من تطبيق هذه الشروط بفعالية لتجنب استغلال الثغرات في القانون؟
الواقع أن الكثير من القضايا المرتبطة بالزواج المبكر في المغرب تُظهر تعقيدًا حقيقيًا في التطبيق العملي للقانون. بالرغم من التشدد في الشروط، يبقى التساؤل قائمًا حول كيفية تأثير هذه التشريعات على الواقع الاجتماعي.
خطوات نحو الإصلاح أو تعديلات شكلية؟
في ختام التعديلات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه التعديلات من معالجة الاختلالات في التطبيق القضائي لمدونة الأسرة؟ هل ستظل العقبات التقليدية قائمة أمام تطبيق هذه الإصلاحات بالشكل الصحيح؟
تتسم هذه المراجعة بالحاجة إلى توافقات عميقة بين مختلف الأطراف، لتكون مدونة الأسرة الجديدة قادرة على تلبية احتياجات المجتمع المغربي في تطوره المستمر. وهي بذلك تمثل محاولة للموازنة بين حقوق المرأة وحقوق الطفل، مع الحفاظ على مصالح الرجل وفق الضوابط الدينية والاجتماعية المتوافقة مع معايير العصر.
خاتمة: تعتبر مراجعة مدونة الأسرة خطوة هامة نحو تحديث التشريعات المغربية بما يتماشى مع تطورات المجتمع، لكنها تبقى في حاجة إلى تطبيق دقيق وشامل لتؤتي ثمارها. إذ يبقى التساؤل قائمًا حول قدرة هذه الإصلاحات على التأثير بشكل فعلي على الحياة الأسرية في المغرب، وهل ستظل هناك حاجة لمزيد من التعديلات لضمان تحقيق العدالة لجميع الأطراف.