في خطوة تعكس تعزيزًا كبيرًا للقدرات العسكرية المغربية، تسلمت المملكة مؤخرًا الدفعة الأولى من مروحيات الأباتشي AH-64E، وهي من بين أكثر المروحيات الهجومية تطورًا في العالم. هذه الصفقة، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 4 مليارات دولار وتشمل 36 مروحية (بما في ذلك 12 كخيار إضافي)، تضع المغرب في مصاف الدول القليلة التي تمتلك هذا النوع من الأسلحة المتطورة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الخطوة تعكس تفوقًا عسكريًا حقيقيًا للمغرب في المنطقة، أم أنها مجرد حلقة في سباق تسلح مكلف قد لا يحقق الأهداف المرجوة؟
الأباتشي: قوة تكنولوجية غير مسبوقة
تُعتبر مروحيات الأباتشي AH-64E، المصنعة من قبل شركة بوينغ الأمريكية، منصة هجومية متعددة المهام تتمتع بقدرات قتالية وتكتيكية عالية.
وفقًا للخبير العسكري محمد شقير، فإن هذه المروحيات تتميز بعدة مزايا تجعلها متفوقة على غيرها في المنطقة:
-
نظام حماية متطور: يتضمن أنظمة دفاعية ضد الصواريخ المضادة للأجسام الطائرة، مما يزيد من قدرتها على البقاء في بيئات معادية.
-
قدرات اتصال متقدمة: تسمح بالتنسيق الفعال مع الوحدات البرية والجوية، مما يعزز من فاعلية العمليات العسكرية المشتركة.
-
تسليح متعدد: يمكنها حمل صواريخ أرض-جو وجو-جو، بالإضافة إلى مدفع رشاش عيار 30 ملم، مما يجعلها قادرة على التعامل مع مختلف التهديدات الجوية والأرضية.
-
سرعة ومرونة: تصل سرعتها إلى 300 كلم/ساعة، مع إمكانية التحليق على ارتفاع يصل إلى 6000 متر، مما يمنحها مرونة كبيرة في تنفيذ المهام القتالية والاستطلاعية.
هذه المميزات تجعل الأباتشي أداة قوية في يد القوات المسلحة الملكية المغربية، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية المعقدة، مثل الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
التفوق العسكري: هل يغير موازين القوى في المنطقة؟
باستلام المغرب لهذه المروحيات، يصبح أول دولة في شمال إفريقيا تمتلك هذا النوع من الأسلحة المتطورة. هذا التطور يضع المغرب في موقع متفوق عسكريًا مقارنة بجيرانه، خاصة الجزائر وإسبانيا، اللتين لا تمتلكان مروحيات مماثلة.
لكن السؤال الأهم: هل سيغير هذا التفوق موازين القوى في المنطقة؟
من الناحية العسكرية، فإن امتلاك الأباتشي يعزز من القدرات الهجومية والدفاعية للمغرب، خاصة في مواجهة التهديدات الإرهابية وحماية الحدود. كما أن هذه المروحيات يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تأمين المشاريع الاقتصادية الكبرى، مثل أنبوب الغاز الذي يربط المغرب بدول غرب إفريقيا.
لكن من الناحية السياسية، فإن هذه الخطوة قد تزيد من التوترات الإقليمية، خاصة مع الجزائر، التي تشهد علاقاتها مع المغرب توترًا مستمرًا منذ سنوات. ففي ظل غياب حوار دبلوماسي فعال، قد يُنظر إلى هذه الصفقة على أنها جزء من سباق تسلح قد يفاقم من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
سباق التسلح: تكلفة باهظة أم استثمار ضروري؟
بينما تُعتبر صفقة الأباتشي خطوة مهمة لتعزيز القدرات العسكرية المغربية، فإنها تطرح تساؤلات حول التكلفة الاقتصادية لهذا الاستثمار. فالمغرب، الذي يعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية، يدفع أكثر من 4 مليارات دولار لشراء هذه المروحيات.
هل الوضع الاقتصادي الداخلي يتحمل مثل هذه التكاليف؟
من جهة، يرى المؤيدون أن هذه الصفقة استثمار ضروري لضمان الأمن القومي وحماية المصالح الاقتصادية للمملكة. ففي ظل التهديدات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء، يصبح تعزيز القدرات العسكرية أمرًا لا مفر منه.
من جهة أخرى، يرى النقاد أن هذه الأموال يمكن أن تُوجه نحو مشاريع تنموية داخلية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في بعض المناطق المغربية. كما أن الاعتماد الكبير على التسلح قد يعرض المغرب لضغوط اقتصادية إضافية في المستقبل.
السياق الإقليمي والدولي: أين يقف المغرب؟
لا يمكن فهم هذه الصفقة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي. فالمغرب، الذي يعتبر حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة، يعزز من شراكاته العسكرية مع واشنطن في إطار اتفاقية التعاون العسكري الموقعة عام 2020. هذه الصفقة تأتي أيضًا في سياق تعزيز التعاون مع إسرائيل وتركيا في مجال التسلح، مما يعكس استراتيجية مغربية لتنويع مصادر التسلح وتعزيز النفوذ الإقليمي.
لكن في المقابل، فإن الجزائر، التي تعتبر المنافس الإقليمي الرئيسي للمغرب، تعتمد بشكل كبير على التسلح الروسي. هذا التنافس العسكري بين الجارتين قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، خاصة في ظل غياب آليات دبلوماسية فعالة لإدارة الخلافات.
أسئلة تبحث عن إجابات:
-
هل ستساهم مروحيات الأباتشي في تعزيز الأمن القومي المغربي، أم أنها ستزيد من التوترات الإقليمية؟
-
ما هي التكلفة الحقيقية لهذه الصفقة على الاقتصاد المغربي، وهل يمكن توجيه هذه الأموال نحو مشاريع تنموية داخلية؟
-
كيف يمكن للمغرب تحقيق التوازن بين تعزيز قدراته العسكرية والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي؟
-
ما هي انعكاسات هذه الصفقة على العلاقات المغربية-الجزائرية، وهل يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلح مكلف في المنطقة؟