وجود تحفظات لدى القاهرة تجاه الحراك الجزائري في عدد من الملفات، تزامناً مع سعي جزائري لتحقيق تقدّم في مسار المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
أكد مسؤول فلسطيني بارز، أن الجزائر لن تقوم بطرح أي مبادرة سياسية جديدة على الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم حركتي “فتح” و”حماس”، مضيفا أنها ” أرادت بحسن نية وموقف أن تُعيد فتح ملف المصالحة الفلسطينية المجمد منذ شهور طويلة”.
وتابع المسؤول: أن “الجزائر أرادت أن تحرك مياه ملف المصالحة من خلال تحرك جديد بدعوة الفصائل لزيارة أراضيها، ومحاولة الضغط السياسي والإعلامي على الحركتين لتجاوز الخلافات القائمة والتي تعطل طي صفحة الانقسام السوداء”.
وأردف المسؤول أن “قادة الفصائل الفلسطينية سيعقدون لقاءات منفصلة مع المسؤولين الجزائريين، وسيتم استعراض خلال تلك اللقاءات المواقف والمطالب والعقبات التي تُعيق التوصل لاتفاق مصالحة واضح وصريح”.
ولفت المسؤول إلى أن “الجزائر تعلم جيدًا أن عقبات المصالحة الفلسطينية الداخلية كثيرة ومتشابكة”، وأن “الكثير من العواصم العربية والأوروبية فشلت في هذا الملف ولم تحقق أي تقدم”، إلا إنها قررت أن “ترمي بحجرها علها تنجح في تقريب وجهات النظر وإعادة الثقة المفقودة بين الفصائل”، منذ أكثر من 16 عامًا.
الجدير ذكره أن الجزائر وجهت منذ أسبوعين، دعوات رسمية إلى الفصائل الفلسطينية وعددها 15 للمشاركة في القمة العربية المرتقبة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر في عاصمتها الجزائر، حيث أطلقت عليها الأخيرة قمة فلسطين.
وأعلن سفير فلسطين في الجزائر، فايز أبو عيطة، في 9 سبتمبر الحالي، أن وفوداً من (فتح و حماس والجهاد الإسلامي) سيشاركون في الاجتماع في الجزائر بداية الشهر المقبل تحضيراً للقمة العربية المرتقبة، ورأى السفير، أنّ الجزائر “قادرة على تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد أعلن نهاية الشهر الماضي، عن اجتماع تشارك فيه كل الفصائل الفلسطينية، يعقد في الجزائر قبل القمة العربية. واعتبر في حديث مع وسائل إعلام محلية، أن الجزائر لديها كامل المصداقية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، كونها الدولة الوحيدة التي ليست لديها حسابات ضيّقة في هذا الشأن. وتحدث تبون عما وصفها بـ”الثقة التي تتمتع بها الجزائر لدى جميع الأطراف الفلسطينية، بما فيها حركة حماس”، وقال “إنه من دون وحدة ومن دون توحيد الصفوف لن يتحقق استقلال دولة فلسطين”، مجدداً التأكيد أن الجزائر قادرة على هذه المهمة.
لكن دبلوماسياً يشغل موقعاً رفيعاً في الجامعة العربية في القاهرة، قال إن حديث تبون حول أن بلاده هي الدولة الوحيدة التي ليست لها حسابات ضيقة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أثار حفيظة دوائر مصرية. وبحسب الدبلوماسي الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، فإن “الكثير من التحركات الجزائرية الأخيرة على صعيد عدد من الملفات، تؤثر سلباً على مصر في المقام الأول، وهو أمر غير مفهوم بالنسبة إلى القاهرة، التي لم تبادر طوال الفترة الماضية للمساس بأي من المصالح الجزائرية في الإقليم، بخلاف الأزمة الليبية، وطريقة تعامل الدولتين معها”.
وأضاف أن مصر “أكدت في أكثر من مناسبة، لمسؤولين جزائريين، وعلى رأسهم الرئيس تبون، حينما زار القاهرة، عدم سعيها للإضرار بمصالح الجزائر على صعيد الأزمة الليبية، وأن تحركاتها كانت لها طبيعة خاصة في هذا الصدد، نظراً للتداخل بين أكثر من طرف إقليمي في الأزمة”.
في السياق، قال دبلوماسي مصري سابق، إن “التحرك الجزائري على صعيد الملف الفلسطيني، من دون أن يتم التنسيق مع مصر باعتبارها الراعية لهذا الملف على المستوى العربي، يمثّل موقفاً جزائرياً مضاداً للقاهرة”. وأضاف: “لو كانت الجزائر بالفعل ترغب في تصفية الأجواء العربية وتهيئتها قبيل القمة العربية التي تستضيفها في نوفمبر المقبل، لكان من الأجدر بها أن تنسق مع مصر في هذا الملف، من أجل الوصول إلى معدلات نجاح مرتفعة، بحكم علاقة مصر بهذا الملف وخبرتها الكبيرة فيه”.
ويتحدث مراقبون مصريون عن أكثر من ملف يؤرق العلاقات بين الجزائر والقاهرة، وليس فقط الملف الفلسطيني. وبحسب هؤلاء يأتي في صدارة هذه الملفات، التقارب الإثيوبي الجزائري، واستضافة الجزائر أخيراً لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ولقاؤه تبون ورئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، وتوقيع عدد من اتفاقيات الشراكة بين الطرفين. ويقول مراقبون مصريون إنه يفهم من ذلك انحياز جزائري لإثيوبيا في موضوع سد النهضة، على حساب الأمن المائي المصري. كما أن موقف الجزائر السابق بعرض القيام بوساطة بين القاهرة وأديس أبابا، لم يكن، وفقاً للمراقبين أنفسهم، إيماناً بالوصول إلى حل عادل بقدر ما كان محاولة لإثبات دورها الإقليمي.
كما يشير مراقبون إلى أن الملف الليبي تسبّب أخيراً، في مزيد من التوتر في العلاقات المصرية الجزائرية، وشهدت الجامعة العربية في اجتماعاتها على مستوى المندوبين الدائمين ووزراء الخارجية أخيراً، مؤشرات على ذلك. وشهد اجتماع المندوبين، خلافاً حاداً وصل إلى حد التراشق، بحسب دبلوماسي عربي شهد الاجتماع وتحدث في وقت سابق لـ”العربي الجديد”. وأرجع الدبلوماسي السبب إلى “تمسك الجزائر بعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة، وإقناع الجزائر لليبيا التي تمثلها في الجامعة في الوقت الراهن بعثة تتبع حكومة عبد الحميد الدبيبة، بتبني موقفها”.