“مسار الإنجازات” أم مسار التساؤلات؟ قراءة تحليلية في الخطاب السياسي لرئيس الحكومة من كلميم

0
251

في خطابه بكلميم، ضمن المحطة الثالثة من جولة “مسار الإنجازات”، بدا رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، حريصاً على إعادة تثبيت رسائل بعينها: الانسجام الحكومي، جدية العمل، تنزيل التعليمات الملكية، واستمرار المشاريع التنموية. لكن خلف هذا الخطاب التعبوي، تطرح تساؤلات جوهرية تتجاوز نقل الحدث لتطال عمق الأداء الحكومي والحزبي في سياقه السياسي والانتخابي منذ 2021.

بين الواجهة التواصلية والسياق السياسي: هل نحن أمام حملة ما قبل أوانها؟

ليس خافياً أن اختيار جهة كلميم واد نون، بوصفها “بوابة الصحراء” ومجالاً جيوسياسياً حساساً، ليس صدفة. حضور ثمانية وزراء وأغلبية أعضاء المكتب السياسي، واستدعاء رموز محلية من الجيلين السابق والحالي، يعكس سعياً لتأطير هذا اللقاء في بعد رمزي ووطني عميق. لكن، هل يمكن اعتباره أيضاً “إعادة تموقع انتخابي” في جهة تُعَدّ خزّاناً انتخابياً في أي استحقاق سياسي؟

أليس هذا جزءاً من استراتيجية تعبئة مبكرة استعداداً لاستحقاقات 2026، في ظل تراجع شعبية الحكومة على المستوى الوطني حسب بعض المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية؟

حكومة “المعقول”: شعارات أم سياسات؟

رفع أخنوش شعار “حكومة المعقول”، في تكرار لشعار حزبه الانتخابي، متحدثاً عن التزام الحكومة بتوجيهات الملك ومشاريع النموذج التنموي، خاصة في الأقاليم الجنوبية. لكن بالموازاة، تُسجّل تقارير وطنية، كالتقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، استمرار الفوارق المجالية، وصعوبات الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليمية، رغم المجهودات المبذولة.

مثلاً، رغم الإعلان عن تعميم مدارس الريادة بكلميم، ما تزال التحديات البنيوية في قطاع التعليم حاضرة بقوة: نقص الأطر، ضعف البنية التحتية، تفاوت الجودة… فهل يكفي تعميم “علامة” مثل “مدارس الريادة” لتجاوز هذه الإشكالات؟ ثم ماذا عن نسب الهدر المدرسي التي ما تزال مرتفعة في المناطق القروية؟ وهل وُضع تقييم موضوعي لتجربة هذه المدارس حتى الآن؟

مشاريع ملكية… لكن من يتملك السياسات العمومية؟

أخنوش قال بوضوح إن “ما ننجزه هو تنفيذ للتعليمات الملكية”، مما يطرح سؤالاً مركزياً: هل الحكومة بصدد تدبير سياسات عمومية مستقلة وواضحة الرؤية، أم أنها تكتفي بدور تنفيذي لتوجيهات فوقية؟ وإذا كان النموذج التنموي الجديد –الذي قدمته لجنة خاصة– مرجعية كبرى، فلماذا لم تتحول مخرجاته إلى سياسة عمومية شفافة ومعلنة للعموم، بخارطة طريق واضحة ومسؤولة من طرف كل قطاع حكومي؟ ثم لماذا يغيب تقاطع حقيقي بين البرنامج الحكومي المعلن سنة 2021، وبين “مسار الإنجازات” الذي يبدو في جزء منه أقرب إلى حملة حزبية منه إلى تقرير حكومي منسجم؟

من الإنجاز إلى المحاسبة: من يُقيّم، ومن يُسائل؟

يستعرض أخنوش أرقاماً ومشاريع واعدة: الطريق السيار تيزنيت-الداخلة، محطة تحلية مياه، كلية الطب، دعم الاستثمار الفلاحي… كلها إنجازات كبرى، لكن ما مدى تحققها الفعلي على الأرض؟

هل توجد تقارير مستقلة تُقيّم هذه المشاريع؟ ما هو الأثر الحقيقي لها على معدلات النمو المحلي، وعلى مؤشرات البطالة والهشاشة؟ ثم لماذا لا تصدر الحكومة تقارير دورية للمواطنين حول نسب إنجاز كل ورش ونتائجه وفق مقاربة محاسبية شفافة؟

ما موقع المعارضة والمجتمع المدني في هذا المشهد؟

الغائب الأكبر في هذا المشهد هو الصوت الآخر: أين المعارضة الجهوية والوطنية في تقييم هذه الإنجازات؟ وأين المجتمع المدني المحلي الذي له معطيات دقيقة عن إشكاليات التنمية بالمنطقة؟ ما قيمة “الإنصات” الذي تحدث عنه أخنوش، إذا لم يكن ضمن آليات مؤسساتية حقيقية لإشراك المواطنين والمواطنات في القرار العمومي؟

في الختام: هل تكفي “لغة الطمأنة” دون أثر ملموس؟

أخنوش ختم خطابه برسائل طمأنة بأن الدينامية المقبلة ستقود الجهة نحو آفاق أرحب، مستحضراً الدعم الملكي المتواصل. لكن في بلد يُنتظر فيه من المسؤولين أكثر من مجرد الترويج لما تحقق، فإن الرهان الحقيقي هو على الشفافية، والجرأة في الاعتراف بالإخفاق، والوضوح في الرؤية، والجدية في التغيير البنيوي لا الشعاراتي.

فهل نحن فعلاً أمام حكومة “المعقول”؟ أم أن ما نعيشه هو “مسار خطابات” أكثر من “مسار إنجازات”؟