مشاورات وزارة الداخلية مع الأحزاب الصغيرة: هل نحن أمام ورش إصلاح انتخابي جدي أم إعادة إنتاج لوصفات قديمة؟

0
232

شرعت وزارة الداخلية، أمس الاثنين، في جولة جديدة من المشاورات الانتخابية، لكن هذه المرة مع الأحزاب غير الممثلة في البرلمان وغير المتوفرة على فرق برلمانية. اللقاء الأول وُصف من قبل الحاضرين بأنه “هادئ وإيجابي”، غير أن خلفياته وأسئلته الكبرى تطرح نفسها بإلحاح: هل تسعى الداخلية فعلاً إلى تصحيح اختلالات التمثيل السياسي، أم أن الأمر مجرد تمرين شكلي يعيد تكرار تجارب سابقة لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة؟

الموضوع الذي تصدّر النقاش هو إصلاح النظام الانتخابي: شروط الترشيح، تمويل الأحزاب، وتعزيز مشاركة النساء والشباب. غير أن أحزاباً مثل فيدرالية اليسار الديمقراطي شددت في مذكرتها على أن أي إصلاح جدي يقتضي مراجعة شاملة للمنظومة برمّتها، بما يتجاوز “المكياج الانتخابي” الذي يكرّس ضعف تمثيل قوى سياسية قائمة وفاعلة. هذه الملاحظة تقود إلى سؤال أكبر: هل تملك الداخلية الاستعداد السياسي لتجاوز الحدود المرسومة سلفاً؟

الأهم أن اللقاء لم يُختزل في مجاملات شكلية؛ بل انتهى بتوافق مبدئي حول مضامين المذكرات المكتوبة للأحزاب، على أن تُدمج في وثيقة تجميعية ستُحال لاحقاً إلى المسار التشريعي والتنظيمي.

لكن هنا أيضاً يبرز سؤال ملحّ: هل ستتحول هذه المذكرات إلى نصوص قانونية نافذة، أم ستبقى مجرد وثائق حبيسة الأدراج كما حدث في جولات ماضية؟

ثلاثة محاور كبرى للإصلاح

  1. قواعد التمثيل: مراجعة العتبة الانتخابية، تحيين التقطيع على أساس معطيات سكانية حديثة، وتقليص الفجوة بين القوة الانتخابية الفعلية والنتائج النهائية.

  2. نزاهة المسار التنافسي: وضع سقوف مالية محكمة للحملات، وتجريم فعال لاستعمال المال الانتخابي، مع تفعيل آليات رقابة صارمة بعيدا عن التسويات السياسية.

  3. توسيع المشاركة: آليات تمييز إيجابي للشباب والنساء، وإيجاد حلول تقنية لتيسير مشاركة مغاربة العالم عبر التصويت القنصلي أو المنصات الرقمية.

هذه العناوين تبدو مألوفة، فقد طُرحت مراراً في النقاشات الوطنية، وهو ما يثير الشك حول مدى استعداد الدولة لتجديد مقاربتها بدل إعادة تدوير نفس الأفكار.

خلفيات سياسية أعمق

تؤكد مصادر حزبية أن هذه الجولة تختلف عن سابقتها، إذ تستهدف تصحيح “اختلال تمثيلي مزمن” همّش القوى السياسية الصغيرة، وتوسيع دائرة التشاور بما يتجاوز الثنائية التقليدية بين الأغلبية والمعارضة. غير أن المتتبعين يرون أن الثقل السياسي الحقيقي للجولة مصدره التعليمات الملكية التي أسندت للداخلية مهمة الإشراف على صياغة الترسانة التشريعية المؤطرة لانتخابات 2026.

من هنا، يصبح السؤال الجوهري: هل ستترجم هذه المشاورات إلى رزنامة دقيقة بخطوات واضحة، أم ستبقى مجرّد حلقات في مسار طويل يفتقر إلى المخرجات العملية؟

نقاط قوة ومناطق هشاشة

  • في محور التمثيل: تحديث اللوائح والتقطيع السكاني قد يشكل مكسباً سريعاً بأقل تكلفة سياسية.

  • في محور النزاهة: الامتحان الحقيقي سيكون عند أول حالة ضبط لاستعمال المال الانتخابي، حينها سيتضح إن كانت العقوبات ستطبق بلا انتقائية.

  • في محور التوسيع: إشراك الجالية بالخارج خطوة واعدة، لكن نجاحها رهين باستكمال البنية الرقمية واللوجستية.

ما وراء المشهد

نجاح هذه الجولة – وفق مراقبين – لن يعني اكتمال الورش، إذ تليها مرحلة دقيقة لترجمة التوصيات إلى نصوص تشريعية وتنظيمية قبل المواعيد الدستورية لـ2026. الرهان الحقيقي يكمن في الانتقال من “جلسات استماع ناجحة” إلى “خطوات تنفيذية ملموسة”.

ولعل القيمة المضافة لاجتماع الاثنين تكمن في إعادة الاعتبار لأصوات ظلت هامشية، وإبراز مطلبها المركزي: قواعد منافسة عادلة تُظهر الوزن الحقيقي للأحزاب الصغيرة، لا الوزن المفترض في خرائط ما قبل الاقتراع. فهل ستستجيب الداخلية لهذا التحدي؟ أم أن اللعبة ستظل محكومة بالتوازنات التقليدية التي تقزّم التعددية السياسية وتحوّلها إلى مجرد ديكور انتخابي؟