مشروع قانون الصحافة.. بين تحفظات وزراء سابقين ورفض النقابات المهنية

0
207

جدل متصاعد حول مستقبل التنظيم الذاتي للمهنة في المغرب

يستمر النقاش محتدماً في الساحة الإعلامية والسياسية بالمغرب بشأن مشروع القانون رقم 25-26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وهو مشروع أثار في ظرف وجيز موجة واسعة من التحفظات والانتقادات، سواء من وزراء اتصال سابقين أو من الهيئات النقابية والمهنية الفاعلة في القطاع. ويبدو أن القضية تجاوزت الطابع التشريعي لتتحول إلى معركة رمزية حول مستقبل حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للمهنة.

وزراء سابقون يحذرون: هيمنة المال وتغييب المجتمع

في جلسات الاستماع التي عقدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بداية الأسبوع، مع وزراء تعاقبوا على حقيبة الاتصال، برزت مواقف رافضة لصيغة المشروع الحالية.
محمد نبيل بنعبد الله، الوزير الأسبق للاتصال، اعتبر أن المشروع بُني على تشاور منعدم، وبأنه يفتح الباب أمام سيطرة المال على الإعلام عبر منح امتيازات للناشرين مقابل تغييب المجتمع. وأكد أن الصيغة المطروحة تشكل انحرافاً عن الفلسفة الأصلية التي أنشئ المجلس من أجلها، والمبنية على توازن ثلاثي بين الصحافيين والناشرين والمجتمع.
تحفظات مشابهة عبّر عنها وزراء آخرون، في إشارة إلى أن القانون الحالي لا يضمن استقلالية كافية للمجلس، ويهدد بتحويله إلى أداة ضبط أكثر من كونه فضاءً للتنظيم الذاتي والحوار المهني.

النقابات ترفع الصوت: مشروع “مشؤوم” يهدد التنظيم الذاتي

في المقابل، أصدرت أربع هيئات نقابية ومهنية بلاغاً مشتركاً وصفت فيه مشروع القانون بـ”المشؤوم”، معتبرة أنه يشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التنظيم الذاتي المنصوص عليه دستورياً.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال (UMT)، والنقابة الوطنية للإعلام والصحافة (CDT) شددت على أن المشروع يخدم أجندات سياسية واقتصادية ضيقة، ويكرس “تغولاً غير مسبوق” عبر إقصاء النقابات المهنية الحقيقية.
كما حذرت هذه الهيئات من تعجيل الحكومة بعرض المشروع بمجلس المستشارين يوم 8 شتنبر 2025، قبل صدور الرأي الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعكس ـ في نظرها ـ محاولة لفرض القانون على عجل دون توافق.

بين البرلمان والمجتمع المهني: معركة مفتوحة

يُذكر أن مجلس النواب كان قد صادق على المشروع في يوليوز الماضي بأغلبية 87 نائباً مقابل معارضة 25، بعد جلسة تشريعية دامت أكثر من أربع ساعات. هذا المسار التشريعي السريع أثار حفيظة النقابات المهنية، التي تؤكد أنها ستواصل الترافع والاحتجاج ضد المشروع، سواء داخل المؤسسات المنتخبة أو عبر الشارع المهني.

قراءة تحليلية: أزمة ثقة أم إعادة رسم المشهد الإعلامي؟

يبدو أن مشروع القانون 25-26 كشف عن هوة عميقة بين رؤية الدولة لتنظيم الحقل الإعلامي ورؤية الفاعلين المهنيين. فبينما تعتبر الحكومة أن إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة ضرورة لتجاوز أعطاب التجربة السابقة، يرى المعارضون أن الصيغة المطروحة تُفقد المجلس جوهره كإطار للتنظيم الذاتي المستقل.
هذا الجدل يطرح أسئلة مصيرية:

  • هل يتجه المغرب نحو تكريس نموذج صحافة أكثر خضوعاً لمنطق السوق والسلطة، على حساب الاستقلالية المهنية؟

  • أم أن النقاش الحالي قد يفتح المجال أمام صياغة توافقية تحفظ التوازن بين مختلف المكونات وتعيد الثقة في المؤسسات المهنية؟

ما بين تحذيرات وزراء الأمس واحتجاجات النقابات اليوم، يقف مشروع القانون عند مفترق طرق حاسم، قد يرسم ملامح المشهد الإعلامي المغربي لسنوات قادمة، بين خيار الإصلاح التشاركي وخيار الإملاء من فوق.