مشروع قانون المالية 2026… أرقام طموحة وخطاب قروي: بين وعود الاستثمار وأسئلة الواقع

0
141

مشروع قانون المالية 2026 يقدّم نفسه كوثيقة ذات نفس اجتماعي وتنموي قوي، واضعًا العالم القروي في قلب الاستثمار العمومي بنسبة يقال إنها تصل إلى 60% من إجمالي الاعتمادات. أرقام بمليارات الدراهم، مشاريع ضخمة للماء والتحلية، ومدارس جماعاتية تنتشر في القرى النائية… كلها تبدو، على الورق، كخارطة طريق لإنهاء الفوارق المجالية وربط القرى بدينامية النمو الوطني.

لكن، كما في كل خطاب رسمي، تبقى الأسئلة مفتوحة: ما مدى دقة هذه الأرقام؟ وهل ستترجم فعلاً إلى واقع يعيشه المواطن القروي؟

وعود الأرقام الرسمية

في قلب الوثيقة المالية، تتصدر مشاريع الماء والأمن المائي المشهد:

  • 5.6 مليار دولار (حوالي 56 مليار درهم) مخصصة لبرنامج وطني للماء الصالح للشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي، بهدف مواجهة أزمة الجفاف المتفاقمة.

  • خطة لإنجاز 9 محطات تحلية جديدة بحلول 2030، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.4 مليار متر مكعب سنويًا، لتأمين حاجيات الشرب والري.

في التعليم، يبرز برنامج بناء 150 مدرسة جماعاتية في المناطق القروية، بدعم من البنك الأوروبي للاستثمار والاتحاد الأوروبي، في محاولة لتقليص الفوارق التعليمية وربط التلاميذ في القرى بالفرص التي توفرها المدن.

الهدف المعلن واضح: تقليص الفوارق المجالية، تحقيق العدالة الاجتماعية، وربط المواطن القروي بدينامية التنمية الوطنية.

بين الأرقام والواقع – أسئلة مشروعة

النسبة 60%: هل توجد وثيقة مالية رسمية تثبت تخصيص 60% من الاستثمار العمومي للعالم القروي، أم أن الأمر تقدير أو خطاب سياسي أكثر منه رقم محاسباتي موثق؟ عند مقارنة مشروع قانون المالية 2026 بالسنوات السابقة (2024 و2025)، يبرز تساؤل: هل هذه النسبة قفزة نوعية، أم استمرار لسياسات قائمة؟

الاستدامة المالية:
استثمارات بمليارات الدراهم تعني ضغطًا على الميزانية. الحكومة تعلن أنها ستخفض العجز إلى 3–3.5% من الناتج الداخلي، فكيف ستوفق بين هذين الهدفين؟ وهل تم تقييم أثر هذه المشاريع على الدين العام؟

الجدوى على المدى الطويل:
محطات التحلية مكلفة في التشغيل والصيانة، فهل هناك خطط واضحة لتأمين ميزانيات تشغيلها بعد البناء؟ أما المدارس الجماعاتية، فهي خطوة مهمة، لكن ماذا عن توفير المدرسين المؤهلين، والنقل المدرسي، والبنية الداعمة؟

هوامش مقارنة بين مشروع قانون المالية 2025 و2026

المحور

سنة 2025

سنة 2026 (المعطيات المتوفرة)

الاستثمار العمومي الإجمالي

340 مليار درهم، بزيادة طفيفة (+1.5%) مقارنة بـ2024

ارتفاع متوقّع لكن الرقم الإجمالي لم يُعلن رسميًا بعد.

حصة الاستثمارات عبر المؤسسات والمقاولات العمومية

138 مليار درهم (+4% عن 2024)

141.61 مليار درهم تقريبًا (تقديرات أولية)

استثمار مجموعة OCP

45 مليار درهم في 2025 (من أصل 139 مليار درهم مبرمجة بين 2025-2027)

52 مليار درهم مبرمجة لسنة 2026 ضمن مخطط استثمارات المؤسسات العمومية

التعليم القروي

68% من أصل 189 مؤسسة تعليمية جديدة في 2025 موجهة للعالم القروي، بميزانية 85.6 مليار درهم

التوجّه نفسه معلن في 2026 لكن بدون رقم مفصّل حتى الآن

الماء الصالح للشرب في القرى

غلاف مالي بـ 1.32 مليار درهم مخصص في 2025

لم يُعلن الرقم الخاص بـ2026 في المصادر الحالية

السياق الأوسع – تحديات على الأرض

المغرب يواجه أزمة مائية هي الأشد منذ عقود، والجفاف يغير الخريطة الزراعية والاقتصادية للبلاد. مشاريع الماء والتحلية ضرورية، لكن السؤال: هل وتيرة الإنجاز تكفي لمجاراة سرعة الأزمة المناخية؟

الهجرة القروية نحو المدن الكبرى لم تتوقف. هل تكفي هذه الاستثمارات، مهما كانت ضخامتها، لوقف نزيف الهجرة، أم أن الأمر يحتاج أيضًا إلى تحفيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص شغل داخل القرى؟

التجارب السابقة ليست كلها مشجعة. مشاريع مشابهة في الماء أو التعليم شهدت تأخيرات أو تعثرات، إما بسبب إكراهات مالية أو عراقيل إدارية. فهل تغيّر أسلوب التنفيذ هذه المرة؟

الخطاب والنتيجة – الفجوة المحتملة

الفرق بين من يشتغل على مشاريع ملموسة ومن يكتفي بالنقد… عبارة تتكرر في خطاب الحكومة. لكن الإنجاز المادي وحده لا يكفي. التنمية القروية الحقيقية تحتاج إلى حكامة رشيدة، ومتابعة مستمرة، وضمان أن البنية التحتية لا تتحول إلى هياكل بلا خدمات.

فبناء مدرسة في قرية لا يعني بالضرورة تحسين التعليم إذا غاب المعلم والنقل المدرسي. وإنشاء محطة تحلية لا يحل الأزمة إذا لم تُوزع المياه بعدل وبتكلفة مقبولة.

الخاتمة – أسئلة مفتوحة

مشروع قانون المالية 2026 يضع أهدافًا طموحة ويعلن أرقامًا ضخمة. لكن نجاحه لن يُقاس بالتصريحات ولا بالجداول المالية، بل بما ستشهده القرى المغربية على الأرض خلال السنوات القادمة.

  • هل ستصل 60% من الاستثمارات فعلًا إلى القرى؟

  • هل ستتحقق العدالة المجالية المنشودة، أم ستظل شعارًا سياسيًا؟

  • وهل ستتحول هذه الأرقام إلى ماء صالح للشرب، ومدارس مؤهلة، وفرص اقتصادية، أم ستبقى حبرًا على ورق؟

حتى ذلك الحين، ستبقى “صحافة النظر” تراقب، تسأل، وتقارن بين ما وُعد به وما تحقق، لأن الأرقام مهما كانت ضخمة، تبقى بلا قيمة إذا لم تتحول إلى واقع يلمسه المواطن القروي في حياته اليومية.