في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، عرضت الحكومة المغربية مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي يتضمن توقعات نمو تصل إلى 4.6% في العام القادم، مع ضبط معدل التضخم عند 2%. هذا المشروع يستند إلى مرتكزات رئيسية تعزز التماسك الاجتماعي وتحصين السيادة الاقتصادية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الأهداف واقعية؟
مشروع “مالية 2025”: هل تستطيع الحكومة تحقيق توقعاتها؟
مشروع قانون المالية لسنة 2025 يأتي بتوقعات طموحة حول النمو والتضخم، حيث تهدف الحكومة إلى تحقيق نمو بنسبة 4.6% والتضخم عند 2%. لكن هذه الفرضيات تواجه تحديات كبيرة، خاصة مع استمرار التوترات الجيو-سياسية وتأثيرها على أسعار السلع والطاقة، بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي تؤثر على القطاع الزراعي، أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد المغربي.
الفرضيات الحكومية: طموح أم مخاطرة؟
وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أشارت إلى التحديات الجيو-سياسية والمناخية التي تواجه المغرب، لكنها أكدت أن الاقتصاد المغربي استطاع الحفاظ على توازناته رغم هذه الظروف. مع ذلك، تساؤلات كثيرة تدور حول مدى واقعية توقعات الحكومة.
يقول عادل إيشو، محلل الشؤون المالية، إن توقع الحكومة تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.6% يبدو متفائلاً، خاصة في ظل تأخر الأمطار واستمرار الأزمات الدولية التي تؤثر على أسعار السلع والطاقة.
هل يمكن فعلاً الوصول إلى هذا الرقم دون ضمان موسم زراعي جيد؟
أستاذ الاقتصاد عادل إيشو يوضح أن هذه الفرضيات تبدو طموحة ولكن محفوفة بالمخاطر، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد المغربي على الفلاحة المتأثرة بتأخر هطول الأمطار. فالقطاع الزراعي يمثل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويحتاج إلى استقرار مناخي لبلوغ أهداف النمو.
هل يمكن للحكومة الاعتماد على استقرار مناخي غير مضمون لتحقيق هذه النسبة؟
صندوق النقد الدولي أشار في توقعاته لشهر أبريل 2024 إلى أن معدل النمو في المغرب قد يبلغ 3.3% فقط في 2025، مما يضع فارقًا مقلقًا بين توقعات الحكومة وتوقعات المؤسسات الدولية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية فرضيات الحكومة.
التضخم: رهان محفوف بالمخاطر؟
من ناحية أخرى، تعتمد الحكومة في توقعاتها للتضخم على استقرار الأسعار العالمية، وخاصة أسعار الطاقة والسلع الأساسية. إلا أن عادل إيشو يرى أن هذا التوقع محفوف بالمخاطر في ظل استمرار الأزمات الجيو-سياسية، مثل الحرب في أوكرانيا، التي أثرت بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. كما أن التوترات في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى تفاقم هذه التحديات، ما يعزز احتمالات زيادة التضخم. فهل يمكن للحكومة التحكم في التضخم في ظل هذه الظروف الخارجية غير المستقرة؟
دور الطلب الداخلي والاستثمارات:
رغم التحديات، تعول الحكومة على الطلب الداخلي كرافعة لتعزيز النمو. الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الكبرى قد يساعد في تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي، ويحد من تأثير التوترات الخارجية. على الرغم من أن الحكومة تعتمد على زيادة الإنفاق الاستثماري، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا الإنفاق أن يعوض تأثير الأزمات المناخية والجيو-سياسية؟
كما أن الارتفاع الكبير في صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 46.8% حتى يوليو 2024، والذي بلغ 13.06 مليار درهم، يعتبر نقطة إيجابية
. إلا أن الاستثمارات وحدها قد لا تكون كافية لتعويض التحديات المرتبطة بالظروف المناخية وأسعار الطاقة. كيف يمكن للحكومة توجيه هذه الاستثمارات لتخفيف الضغوط التضخمية وتحقيق استدامة النمو؟
التحديات المناخية: حجر العثرة الأكبر؟
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للاقتصاد المغربي أن يستمر في الاعتماد على الفلاحة في ظل تغير المناخ؟ في السنوات الأخيرة، عانت المملكة من تراجع في التساقطات المطرية، وهو ما أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي. بينما تعتمد الحكومة على فرضية حصاد 70 مليون قنطار من الحبوب لتحقيق أهداف النمو، فإن تأخر الأمطار قد يضع هذه الفرضيات في مهب الريح.
الخلاصة: بين التفاؤل والحذر
بينما تظهر الحكومة تفاؤلاً حول قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي قوي وخفض التضخم، تبدو الفرضيات محفوفة بالتحديات والمخاطر. تحتاج الحكومة إلى مزيد من المرونة والتخطيط الاستراتيجي للتعامل مع تأثير الأزمات الجيو-سياسية والتغيرات المناخية، مع تنويع مصادر النمو الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على القطاع الفلاحي، لضمان تحقيق أهدافها الطموحة في 2025.