مشروع مرسوم تحديد مؤهلات وأتعاب السنديك: هل يفتح الباب أمام إصلاح شامل لمساطر صعوبات المقاولة في المغرب؟

0
99

صادق مجلس الحكومة المغربي، في اجتماعه الأخير يوم الخميس، على مشروع المرسوم رقم 2.23.716 الذي يحدد المؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام السنديك وأتعابه المستحقة في مساطر صعوبات المقاولة، وذلك ضمن جهود استكمال تطبيق مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة. هذه الخطوة تشكل محاولة جادة لتقليص آجال معالجة ملفات الصعوبات التي تواجه المقاولات، وتعزيز الشفافية والفعالية القضائية، في إطار رؤية الحكومة لتحسين مناخ الأعمال بالمملكة، كما ورد في خارطة الطريق 2023-2026.

لكن هل يكفي هذا المشروع لتحقيق نقلة نوعية في المساطر القانونية والقضائية المرتبطة بالمقاولات؟ وهل هو فعلاً استجابة حقيقية للمتطلبات الاقتصادية الوطنية، أم مجرد خطوة تقنية لن تلامس جوهر المشاكل التي تعيق قطاع الأعمال بالمغرب؟

السياق الوطني: تحديات مزمنة في مساطر صعوبات المقاولة

لا يخفى أن المغرب، رغم الإصلاحات المتعددة التي شهدها القطاع الاقتصادي والقضائي، لا يزال يواجه عقبات كبيرة في مجال تسوية مشاكل المقاولات التي تعاني من صعوبات مالية وإدارية. إن تأخر مساطر حل النزاعات وتأخر الإفرازات القضائية يؤدي إلى خسائر جسيمة للاقتصاد الوطني ويثبط من روح المبادرة والاستثمار.

كما أن مهنة السنديك، التي تعد القلب النابض لهذه المساطر، تفتقر إلى تنظيم واضح وموحد في المؤهلات والتعويضات، ما يطرح إشكالية على مستوى الكفاءة والشفافية. في هذا الإطار، يكتسب مشروع المرسوم أهمية استراتيجية في وضع معايير مهنية واضحة تضمن أداء متميزاً لهذه المهمة الحساسة.

المقارنة الدولية: دروس من تجارب متقدمة

تجارب دول مثل فرنسا، إسبانيا، التي تطبق آليات متطورة في مجال تصفية وإعادة هيكلة المقاولات، تؤكد على أهمية وجود نظام متكامل لمؤهلات وأتعاب المسؤولين القضائيين في هذا المجال. على سبيل المثال، في فرنسا، خضع مهنة “المسير القضائي” لقواعد صارمة تضمن الكفاءة والحياد، مما ساهم في اختصار أمد الإجراءات وضمان حقوق جميع الأطراف. أما في الجزائر، فقد شهدت السنوات الأخيرة محاولات تحديث قانون المساطر التجارية بهدف التخفيف من البيروقراطية وتعزيز دور القضاء في حماية المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

هل استطاع المغرب الاستفادة من هذه التجارب؟ وهل مشروع المرسوم الحالي يعكس رغبة حقيقية في تبني أفضل الممارسات الدولية أم أنه يظل محصوراً في الإطار القانوني الضيق؟

الإشكالية الكبرى: بين النص القانوني والتطبيق العملي

يبقى التحدي الأكبر في تطبيق هذه النصوص، خاصة في ظل التدخلات السياسية التي تخلط بين الشأن الرياضي والاقتصادي، وتؤثر على استقلالية القطاعات التي تتطلب إدارة مهنية نزيهة. كما أن المؤسسات المغربية تعاني من ترسخ ثقافة “المحسوبية” والارتباطات الشخصية التي تعيق الإصلاحات الحقيقية.

هل سيمنح هذا المشروع فرصة حقيقية لتقليص أمد الإجراءات القضائية وتحسين مناخ الأعمال؟ أم أن غياب الإرادة السياسية الحقيقية وعدم توفر الموارد البشرية المؤهلة ستقيد فعاليته؟

أفق الإصلاح: خطوات منتظرة ومستقبل متجدد

من المتوقع أن يسهم هذا المشروع في ترسيخ دعائم العدالة التجارية في المغرب، شرط أن يرافقه تفعيل فعلي على الأرض مع تكوين مستمر للمهنيين وتطبيق معايير صارمة للشفافية والمحاسبة. كما يجب أن ترتبط هذه الإجراءات بخطط أوسع لإصلاح القضاء التجاري وتحديث المنظومة القانونية بما يتماشى مع متطلبات السوق العالمية.

في هذا السياق، هل سنشهد قريباً إطلاق حزمة إصلاحات شاملة تعيد الثقة في النظام القضائي المغربي وتدعم المقاولات الوطنية في مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي المتغير؟