في ظل الأحداث الأخيرة و بعد اعتذار ألمانيا و رفض سويسرا استقبال زعيم جبهة البوليساريو، تم استقباله من طرف إسبانيا، بتدخل من الرئاسة الجزائرية لتلقي العلاج على أراضيها بدافع “إنساني” بعد تزوير أوراقه الثبوتية. و هو ما دفع وزيرالخارجية و التعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة إلى استدعاء السفير الإسباني للتعبير له عن أسف المغرب و عن خيبة أمله من هذا الموقف الذي وصفه بانه يتنافى مع روح الشراكة و حسن الجوار، و الذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية.
ما يضع مصداقية إسبانيا الحليف الإستراتيجي و شريك المغرب على المحك هو:
أولا: كون إبراهيم غالي دخل بجواز سفر ديبلوماسي جزائري مزور تحت اسم مستعار و هو أسلوب يستخدمه الإرهابيون وأباطرة المخدرات و المجرمين.
ثانيا: صدور مذكرات توقيف في حق إبراهيم غالي بخصوص مجموعة من القضايا و الاتهامات وجهتها له منظمات حقوقية صحراوية، منها ارتكاب إبادة جماعية و عمليات اختطاف و تعذيب و اغتصاب في حق صحراويين في مخيمات اللاجئين.
ثالثا: عدم تجاوب القضاء الإسباني مع الشكاوى العديدة التي قدمها الضحايا.
رابعا: كون إسبانيا لم تراعي حق الجوار مع المغرب و الشراكة التي تجمعها به.
خامسا: وجود ضعط جزائري على إسبانيا مستخدمتا الإتفاق المبرم بينهما في إطار صفقة الغاز، و التي تحصل عليه إسبانيا بسعر رمزي مقابل دعم القضايا الجزائرية.
و نستنتج من مجازفة إسبانيا ما يلي:
-
بأن إسبانيا استاءت من الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، و عبرت صراحة عن رفضها للخطوة الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء.
-
أن إسبانيا تريد أن يطول أمد النزاع في الصحراء المغربية و يبقى الوضع على ما هو عليه…
-
أن هنا تقاطع بين الموقف الجزائري و الموقف الإسباني بخصوص قضية الصحراء المغربية.
-
أن إسباني تعمل على تأخير الحسم في ملف الصحراء المغربية و التوصل لقرار نهائي من قبل مجلس الأمن الدولي.
-
انزعاج إسبانيا من الانتصارات الديبلوماسية المغربية المتتالية بخصوص ملف الصحراء المغربية.
-
أن إسبانيا تخشى من مطالبة المغرب باستقلال المدينتين المحتلتين سبتة و مليلية.
-
أن النظام الجزائري دولة عصابات و مافيا و ليس دولة مؤسسات يسوده القانون، عندما تصدر جواز سفر مزور و تدخل إبراهيم غالي إلى إسبانيا بطائرة خاصة و بطريقة الخارجين عن القانون، بينما يمنع المواطنين الجزائريين من العلاج في الخارج، و يفتقرسكان الخيمات المحتجزين في تندوف للأقنعة و المعقمات في ظل جائحة كوفيد-19.
-
أن إسبانيا تخاطر بالتعاون الأمني الاستخباراتي بين إسبانيا والمغرب في مكافحة الإرهاب، ما قد يكون له عواقب وخيمة على أمنها و استقرارها، بالإضافة إلى ملف الهجرة…
-
بتسلل المدعو إبراهيم غالي إلى إسبانيا بشكل سري و بجواز سفر جزائري مزور، ينكشف وهم الجمهورية المزعومة.
إسبانيا إذن في مأزق سياسي و قضائي..
و معروف بأن الجزائر هي من افتعل مشكل الصحراء و البوليساريو. لكن لا بأس من التذكير أن إسبانيا دولة مُستعمِرة، و هي المسؤول رقم واحد عن مشكل الإنفصال في الصحراء المغربية.. و هي أول من أطلق كلمة “الشعب الصحراوي” على سكان الأقاليم الجنوبية و هي من زرع فكرة القومية بينهم. و هي من حرف جبهة البوليساريو عن الأهداف التي تأسست من أجلها إلى جانب النظام الجزائري، كي يبقى حجر عثرة في وجه المغرب…
عندما تأسست الجبهة كانت من أجل مقاومة الإستعمار الإسباني و لم تكن حركة انفصالية في بداية الأمر، لكن في خضم الحرب الباردة تأثرت البوليساريو آنذاك بليبيا و الجزائر ، و هما دولتان كانتا جزءًا من الكتلة الشرقية الشيوعية، و كانا يحاولان تصديرثورتهما و زعزعة استقرار المغرب.
يقول مصطفى بوه برزاني، العضو السابق في المكتب السياسي للجبهة، “إنه على عكس ما قيل، فإن جبهة البوليساريو لم تولد في جنوب الأراضي المغربية، التي احتلتها إسبانيا آنذاك، ولكن تم إنشاؤها في الرباط من قبل مجموعة من الطلاب المغاربة، من بينهم أنا، الذين كانوا يحثون المستعمر الإسباني على المغادرة والذين لم يطالبوا أبدًا بالاستقلال أو الانفصال عن الوطن الأم المغرب”.
كيف عملت إسبانيا إذن على تحويل عداء الجبهة إلى المغرب؟
يقول عمر حضرمي في وثائقي بعنوان: Polisario- Identité d’un front و هو من المؤسسين لجبهة البوليساريو و كان قدعاد إلى أرض الوطن:
“كنا نحس بالتواطئ ما بين الجزائر و إسبانيا.. كنت مدعوا لاجتماع اللجنة التنفيذية مكونة من سبعة.. في التراب الجزائري..
اصبحت مفاوض في فيلا النصر بالقرب من متحف باردو في الشارع الرئيسي للجزائر العاصمة .. مع مدير الشؤون الإفريقية لوزارة الشؤون الخارجية الإسبانية.. كنت أتفاوض من إسبانيا تحت وصاية الجزائر.. و الجزائريون كانوا يدفعوننا لنقبل باتفاق تراض: هو أن نطلق سراح الضباط الإسبان.. أن نقبل مجلس الشيوخ الذي أنشأه الجنرال فرانكو، PUNS الحزب الجديد حزبالإتحاد الوطني الصحراوي.. البوليساريو كثالث قوة سياسية.. و كل هذا لكي يهيئ لاستقلال الصحراء تحت اليافطة الإسبانية..
لم نفهم شيئا ! كنا شيئا ما مرغمين على الإعتراف بهذا.. إذن فهمت بأن هناك محور بين مدريد و الجزائر يثمن حزب سياسي و مجلس قريبين من الإسبان و البوليساريو القريبة من الجزائر كي يتفقوا.. و كانوا قد اجتمعوا لإعلان الوحدة الوطنية ضد المغرب و لم يعد ضد الإسبان”.
و الآن إسبانيا قلقة بعد الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء و عبرت عن ذلك صراحة، و تخشى أن يطالب المغرب باسترجاع سبتة و مليلية المحتلتين.. لهذا فقد وجدت في النظام الجزائري حليفا من أجل الإستمرار في معاكسة المغرب. خصوصا بعد أن بدأ المغرب يستعمل الحصار و السلاح الإقتصادي مع الجارة الشمالية فيما يخص المدينتين المحتلتين سبتة و مليلية.
و هذا ما يؤكده تاج الدين الحسيني في تصريحه للجزيرة حيث يقول: إن إسبانيا لا ترغب في حصول المغرب على استقلالية كاملة للإقليم للحفاظ على مصالحها، و تبحث عن تمديد نفوذها، معتقدة أن حل ملف الصحراء يحيل إلى استكمال الوحدة الترابية للمغرب، و بالتالي المطالبة بسبتة و مليلية.