في تقرير لها حول الموضوع، أقرّت المندوبية السامية للتخطيط، وهي المؤسسة الرسمية المكلفة بمراقبة الأوضاع الاقتصادية في المغرب، بأن “القدرة الشرائية لغالبية المواطنين تراجعت، مقارنة مع الأعوام الماضية، تحت وطأة ضعف الدخل وارتفاع أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية”.
الرباط – قال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، إن الحكومة تنكب بجدية على دراسة موضوع رفع مبالغ دعم المحروقات لمهنيي النقل، بعد الزيادة الملحوظة في الأسعار.
وأشار بايتاس خلال الندوة الصحافية الأسبوعية إلى أن الدعم أعطي للمهنيين في شهر أبريل الماضي بناء على مستويات معينة لأسعار المحروقات، لكن هذه الأسعار ارتفعت اليوم.
وأضاف الوزير أن حجم المبالغ التي خصصتها الحكومة لهذا الدعم بلغت إلى الحدود اليوم 1.4 مليار درهم.
وأكد الوزير أن سبب ارتفاع الأسعار بات معروفا اليوم، إذ يعزى إلى سياق دولي متسم بالحرب، فيوما بعد يوم يتأكد اللايقين حول أسعار هذه المواد.
وقال الوزير إن الحكومة قامت بعدة إجراءات لتعززيز القدرة الشرائية للمواطنين، حيث رفعت حجم الدعم المخصص لغاز البوتان إلى 21 مليار درهم، بعدما كانت تتوقع أن حجم دعم هذه المادة لن يتجاوز 10 ملايير.
كما أن الحكومة، حسب ذات المتحدث، رصدت مبلغ 3.4 ملايير درهم لدعم مادة الدقيق، وهو المبلغ الذي ينتظر أن يصل إلى 6 ملايير بنهاية السنة، ما لم يرتفع الثمن أكثر، فضلا عن دعمها لمواد أخرى كالسكر.
وتعني القدرة الشرائية مقدار السلع والخدمات التي يمكن شراؤها من خلال كمية محددة من النقود، وكلما كانت العملة النقدية لبلد ما لها قوة شرائية أقوى كلما عاش مواطنو تلك الدولة في بحبوحة اقتصادية. أما عندما تتآكل القدرة الشرائية فهذا يعني أن الناس ينتظرون أوضاعًا اقتصادية صعبة.وهو ما يحدث بالتحديد في المغرب، بعد أن بات جل المواطنين يكتوون بنار الأحوال المعيشية السيئة، فكيف وصل المغاربة إلى هذا المستنقع الاقتصادي الموحل؟
في 19 أبريل الماضي، كشف رئيس الحكومة أن معدل النمو المرتقب في المغرب يتراوح ما بين 1.5 و1.7 في المئة خلال السنة الجارية، عوض النسبة المرتقبة المتضمنة في قانون المالية 2022، والمحددة بـ3.2 في المئة، وذلك بسبب تراجع القيمة الفلاحية المضافة، التي من المرتقب أن تصل إلى 11 في المئة عوض 13 في المئة المسجلة في السنة الماضية.
لكن عبدالرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي المعارض بمجلس النواب، قال إن “غلاء الأسعار لا يقبل المزايدات والتبريرات لأنه شمل أسواق المدن والقرى ومحطات الوقود والمحطات الطرقية وأوراش البناء”، موضحا بأن “المستهلك هو الذي يؤدي ثمن أحداث لا يتحمل مسؤوليتها، وأن الفئات ذات الدخل المحدود هي التي تؤدي التكلفة بسبب جشع المضاربين والوسطاء والمحتكرين”.
وربط رئيس الحكومة ارتفاع الأسعار المسجلة في الشهور الماضية بتداعيات كوفيد – 19، وبعدها الحرب في أوكرانيا، مشددا على أن الرباط لم تسلم من تداعيات الأزمة، حيث من المتوقع أن تتراجع نسبة النمو في منطقة يورو من 3.9 في المئة إلى 2.7 في المئة.
وأربك هذا الوضع بحسب أخنوش فرضيات قانون المالية التي ستتمّ مراجعتها، على اعتبار خضوع الاقتصاد الوطني على غرار باقي الاقتصادات إلى التأثير بفعل العوامل الخارجية وغير المتوقعة إذ تعرف انخفاضا كبيرا في نسب النمو لهذا العام.
أسعار البنزين ترتفع في المغرب لأعلى مستوى مع انخفاض سعر النفط عالمياً
في هذا الصدد، قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، إن “شراء الأضحية يبقى مجرد سنة في الدين الإسلامي؛ وبالتالي، فلا حرج على أي شخص لا يستطيع شراءها”.
وأضاف الخراطي، في تصريح لموقع هسبريس، أن “ضعف القدرة الشرائية للمواطنين قد يؤثر على عيد الأضحى، بسبب غلاء الأسعار على الصعيد الوطني منذ أسابيع”.
وأوضح الفاعل المدني أن “الطبقة المتوسطة مطالبة بتفادي الضغط على الكسابة خلال وقت متزامن حتى لا ترتفع الأسعار بشكل خيالي”، مشيرا إلى أن “المستهلك غير ملزم بشراء منتوج سعره خيالي”.
واستطرد الخراطي شارحا بأن “بعض الأشرطة المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تمهد بالفعل لارتفاع الأسعار في عيد الأضحى، حيث توجد أضاحٍ يصل سعرها إلى 10 آلاف درهم”.
تواجه الحكومة المغربية ضغوطا في الأسابيع الأخيرة بسبب غلاء سلع عدة نتيجة ارتفاع وتقلب أسعار مواد أولية في السوق الدولية خصوصا المحروقات والحبوب، وهي تقلبات فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا.
فضلا عن الغلاء، تواجه الحكومة أيضا ضغوطا بسبب جفاف حاد ينتظر أن يؤثر بشدة على أداء القطاع الزراعي الذي يعد الأهم في المملكة ويساهم بنحو 14 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، فضلا عن التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19.
وبخصوص استغلال البعض لموجة الغلاء من أجل رفع الأسعار، فقد أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة أن هذه الأخيرة تراقب أسعار المواد المقننة، لكن المواد التي تخضع لقانون المنافسة تكون المراقبة من اختصاص مؤسسة دستورية أخرى في حال خرق هذا القانون، مشددا على ضرورة الضرب بيد من حديد على مثل هذه الممارسات.
في السنوات الماضية كانت حملة المقاطعة تلك بمثابة ناقوس خطر لوصول أسعار عديد المواد الاستهلاكية من المواد الغذائية إلى المحروقات والأدوية، إلى مستويات قياسية، بشكل يفوق الدول شديدة الثراء نفسها. فكما بيّنت مقاطع الفيديو التي بثها الناشطون والتي تعقد مقارنات لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بالبلاد، مقارنة مع نظيرتها في الأسواق الأوروبية والأمريكية؛ يَظهر البون الواسع وفداحة الغلاء الذي يكتوي به المستهلكون المغاربة، رغم الفارق الكبير في مستوى الدخل الفردي.
وتحت ضغط الرأي العام، أخرج البرلمان، آنذاك، تقريرًا يفيد بأن الشركات الكبرى للمحروقات، تحصلت على أرباح إضافية تعادل 17 مليار درهم (1.7 مليار دولار)، بطريقة غير معقولة وغير أخلاقية.
ليتبين أن الأسواق المغربية يحكمها “الاحتكار المتوحش” من قبل مجموعة من اللوبيات الاقتصادية التي تحدد السعر الذي تريد، في غياب تام لدور الحكومة في حماية المستهلكين المواطنين من تغول لوبيات القطاع الخاص، المتحمسة لجني الأرباح الطائلة على حساب حقوق الناس، بدون مراعاة قواعد المنافسة الحرة وحقوق المستهلكين والعمال.
بالموازاة مع الصعود الصاروخي للأسعار، بقي الحد الأدنى للأجور في المغرب في حدود ثلاثة آلاف درهم، وهو مبلغ بالكاد كاف لإيجار شقة في مدينة الرباط أو الدار البيضاء لمدة شهر. وهكذا انسحقت القدرة الشرائية لكثير من الموظفين جراء الغلاء، بحيث أصبحت أجورهم غير قادرة على السداد، خصوصًا في ظل المستوى المعيشي الذي بات يتطلبه العصر، من ملابس وأجهزة وطعام جيد وأدوية فضلا عن السكن.
في حين يُواصل السياسيون المنتخبون، الذين يتنعمون أصلًا بالرواتب المرتفعة والسيارات الفارهة والتعويضات الدسمة، توسيع رقعة امتيازاتهم، كان آخرها قبل بضعة أشهر عندما قاموا بتثبيت معاشاتهم وإعفائها من الضرائب، في وقت يعيش فيه المجتمع وضعًا اقتصاديًا واجتماعيًا حرجًا.
وجمود أجور العمال جاء نتيجة شيخوخة النقابات، التي باتت تتحكم بها أطر تقليدية قديمة جعلتها بمثابة عقارات في ملكيتها، فأضحت النقابات مجرد هياكل خاوية ترتع بالفساد والزبونية والدعاية السياسية، بدل أن تكون هيئة ممثلة لمصالح الطبقات الشعبية العاملة، وتضغط لرفع أجورها الهزيلة.
أما بالنسبة للعاطلين عن العمل والعاملين في القطاعات غير المهيكلة بالإضافة إلى المنسيين في القرى والبوادي، فتلك قصة أخرى!
تشغيل محطة سامير
ركّز الكاتب العام للنقابة الوطنية لقطاع النقل الطرقي للبضائع، مصطفى القرقوري، على أهمية إعادة تشغيل محطة سامير المعنية بتكرير النفط وتصفيته، مشيرًا إلى أنها الحل الأمثل للخروج من الأزمة الراهنة، وتحقيق القطاع أرباحًا أيضًا.
وأكد أن تكرير النفط خارج البلاد واستيراده يُكلف المستهلك المغربي ثمنًا باهظًا، لافتًا إلى أن الدعم الحكومي المقدم إلى العاملين بالقطاع لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب كان خطوة مرتقبة، لكنه لا يرقى إلى طموحهم في تخطي الأزمة، خاصة الذين يقتضي عملهم خوض مسافات طويلة على الطرق.
وأوضح أن أسعار الغازوال (الديزل) لم تكن تتجاوز مستوى 11 درهمًا مغربيًا (1.11 دولارًا أميركيًا) لدى بدء إقرار الحكومة الدعم، غير أنه قفز الآن إلى مستويات تتجاوز 11 درهمًا.
(درهم مغربي = 0.10 دولارًا أميركيًا)
ودعا الحكومة إلى النظر في صحة المعطيات المؤدية للأسعار النهائية والأرباح، قائلًا إن الشركات التي جنت أرباحًا من قبل -وفق التقارير البرلمانية- يتعيّن عليها اليوم وضع حد لتلك الأرباح بوصفه واجبًا وطنيًا.
وطالب القرقوي بالكشف عن حقيقة الوضع الاحتكاري لمستوردي المحروقات وموزعيها في المغرب، سواء بصورة مباشرة أو عبر وسطاء.
وتوقع البراق مواصلة ارتفاع الأسعار الآونة المقبلة وبصورة خاصة المواد النفطية، مؤكدًا تضرّر المغرب من ارتفاعات الأسعار المقبلة، في الوقت الذي اتسعت به دائرة السخط بين المواطنين والعاملين بقطاع النقل.
وأضاف أن أسعار المحروقات في المغرب تواصل الارتفاع وتجاوزت مستوى 18.3 درهمًا بغالبية مدن المملكة، في حين سجّل البنزين حتى صباح أمس الأربعاء 15 يونيو 18.03 درهمًا والغازوال (الديزل) 16.70 درهمًا.
فعلى الرغم من انخفاض سعر النفط على المستوى العالمي، إلا أن أسعار المحروقات مازالت مشتعلة في المغرب، حيث بلغ سعر الغازوال في بعض المحطات بالرباط 15.64 درهما، فيما بلغ سعر البنزين 17.79 درهما للتر الواحد، دون أي أمل في انخفاض الأسعار، مع اختلاف ببضعة سنتيمات حسب الشركات.
وتراوحت الزيادات الجديدة في المغرب ما بين درهم و80 سنتيما، حيث قفز سعر الغازوال في بعض المحطات إلى 16 درهما للتر الواحد في بعض المدن، بينما وصل سعر البنزين إلى 17.90 درهما للتر الواحد، وهو ما اعتبره مواطنون تحدّثوا لجريدة هسبريس الالكترونية “ارتفاعا هو الأوّل من نوعه بلغ مستويات قياسية غير مسبوقة”.
وينتقد العاملون بالقطاع تعرضهم لزيادة أسعار البنزين والديزل في الوقت الذي تشهد فيه أسعار نقل المواطنين والبضائع ثباتًا يزيد من خسائرهم.