مغربية الصحراء الشرقية: تصريحات صنصال تعيد فتح جروح الماضي بين الجزائر وفرنسا

0
54

تصريحات بوعلام صنصال بشأن مغربية الصحراء الشرقية فجّرت جدلًا واسعًا حيث أشار إلى مسؤولية الاستعمار الفرنسي في اقتطاع أراضٍ مغربية وضمها إلى الجزائر، وهو ما يعد خرقًا للرواية الجزائرية الرسمية التي تتجنب الحديث عن هذا الملف الحساس.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كانت تصريحات صنصال مجرد رأي فردي نابع من تحليل تاريخي أم أنها تعكس توجهًا أوسع قد يتحدى الروايات الوطنية الرسمية؟ في هذا السياق، نجد أن القضية قد أثارت قلق السلطات الجزائرية بشكل عميق، مما دفعها إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة باعتقال الكاتب، وهو أمر يثير تساؤلًا آخر حول ما إذا كان الاعتقال يأتي كوسيلة لحماية الرواية الرسمية أو محاولة لطمس نقاش أوسع حول تاريخ المنطقة.

ردود الفعل الجزائرية لم تقتصر على اعتقال صنصال بل شنت حملة واسعة ضده، حيث اعتبرت وسائل الإعلام الرسمية أن الموقف الفرنسي الداعم للكاتب هو امتداد للاستعمار “بوجه جديد”، بينما وصفت وكالة الأنباء الجزائرية تصريحات صنصال بأنها دليل على وجود “تيار حاقد في فرنسا”. هذه الردود تثير تساؤلات إضافية حول ما إذا كان الهجوم الإعلامي يعكس خوف النظام الجزائري من زعزعة روايته الرسمية أو أنه جزء من استراتيجية تهدف إلى توجيه الرأي العام نحو “خطر خارجي” لتجاوز التحديات الداخلية.

في هذا السياق، يعيد الخطاب الرسمي الجزائري تسليط الضوء على التناقضات الداخلية، إذ بينما تندد الجزائر “بالتدخل الفرنسي”، فإنها تركز بشكل أكبر على محاولة إخماد أي نقاش داخلي حول تاريخ المنطقة.

في المقابل، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه من اعتقال صنصال، وهو ما أثار غضب الجزائر ووضع باريس في مأزق معقد. فرنسا التي تدعي التزامها بحرية التعبير تجد نفسها بين موقف مبدئي وآخر سياسي يتطلب الحفاظ على علاقاتها مع الجزائر في ظل التحديات الإقليمية التي تواجهها.

هذا الموقف يطرح تساؤلات استراتيجية حول ما إذا كان دعم فرنسا لصنصال يعكس موقفًا مبدئيًا أم أنه يخدم أجندة سياسية مرتبطة بمواقفها الإقليمية، خصوصًا في قضية الصحراء المغربية.

كيف يمكن لباريس أن توازن بين الدفاع عن قيمها الديمقراطية وحماية مصالحها الجيوسياسية مع الجزائر؟

أما ردود الفعل الجزائرية فقد تجاوزت انتقاد فرنسا لتتجه نحو إسقاطات تاريخية أثارت الكثير من الجدل. وكالة الأنباء الجزائرية، على سبيل المثال، شبّهت قضية صنصال بمواقف فرنسا من بنيامين نتنياهو، وهي مقارنة بدت غير منطقية ومليئة بالإسقاطات.

هذا الخطاب يعكس محاولة لتبرير الموقف الرسمي الجزائري، لكنه يثير تساؤلًا جوهريًا: هل تسعى الجزائر فعلاً لتوضيح موقفها أم أن التصعيد يعبر عن أزمة داخلية؟ وهل تخدم الإسقاطات التاريخية القضية أم أنها تشتت الانتباه عن جوهر المشكلة؟

قضية بوعلام صنصال تتجاوز كونها صراعًا حول حرية التعبير لتتحول إلى رمز لصراع أعمق بين الجزائر وفرنسا يتعلق بقضايا الهوية، السيادة، والذاكرة التاريخية.

بينما تستمر الجزائر في تصعيد خطابها ضد فرنسا، يبدو أن باريس تعيد ترتيب أوراقها بما يخدم مصالحها الإقليمية، خصوصًا في تطور موقفها الإيجابي تجاه المغرب وقضية الصحراء المغربية.

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للطرفين تجاوز هذه التوترات نحو بناء علاقة متوازنة؟ فرنسا تواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على مبادئها الديمقراطية دون خسارة مصالحها في الجزائر، بينما الجزائر تواجه اختبارًا داخليًا يتعلق بقدرتها على التعامل مع النقد التاريخي والسياسي دون اللجوء إلى التصعيد أو القمع.

في نهاية المطاف، قد تكون قضية صنصال مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الخلافات التي ستظل تربط بين الجزائر وفرنسا، ما لم يتمكن الطرفان من تجاوز إرث الماضي لبناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.