مغربي يُقتل خنقًا على يد شرطي بإسبانيا.. صدمة في الجالية وصمت دبلوماسي يثير القلق

0
129

في أحد أحياء Torrejón de Ardoz، ضاحية هادئة قرب العاصمة الإسبانية مدريد، توقفت حركة الزمن مساء الثلاثاء 17 يونيو 2025، حين لفظ عبد الرحيم، المغربي البالغ من العمر 35 سنة، أنفاسه الأخيرة وهو مُلقى على الرصيف، بعد أن أحكم شرطي بلدي – خارج وقت عمله – قبضته على عنقه بطريقة عنيفة، مستخدمًا تقنية “الخنق الخلفي” التي طالما وصفتها منظمات حقوقية بـ”المميتة”.

أمام أعين المارة، ووسط توسلات المواطنين الذين شاهدوا المشهد دون أن يتمكنوا من التدخل، كانت الكارثة تتحقق: “كان يصرخ ويطلب النجدة، والشرطي يضغط بعنف أكبر”، تقول إحدى السيدات من الجالية المغربية وهي تبكي بحرقة خلال الوقفة التي نُظّمت لاحقًا احتجاجًا على ما جرى.

من الرصيف إلى الشارع العام: صدمة تتجاوز الجريمة

عبد الرحيم لم يكن فقط شابًا مهاجرًا. كان أخًا، وابنًا، وجزءًا من نسيج اجتماعي يعاني منذ سنوات من مظاهر التهميش والتجاهل داخل بلد يستضيف آلاف المغاربة. ما حدث له فجّر مشاعر الغضب المكبوت، ليس فقط لكونه راح ضحية عنف شرطي، بل لأن طريقة موته أعادت إلى الأذهان وقائع مشابهة في أمريكا وأوروبا، حيث تتحوّل حياة المهاجرين إلى أرقام في تقارير المنظمات الحقوقية.

الوقفة التي نُظمت يوم السبت 21 يونيو في ساحة Plaza de España، لم تكن فقط للتنديد بالجريمة، بل شكلت لحظةً اجتماعية وإنسانية عالية الرمزية: صور عبد الرحيم، دموع والدته، صرخات شقيقته، وهتافات بالعربية والإسبانية للمطالبة بالعدالة. إحدى اللافتات كتب عليها: “أن تكون مهاجرًا لا يعني أن تكون هدفًا سهلاً”.

قرار قضائي يزيد النار اشتعالًا

المفاجأة التي زادت من حدة الغضب الشعبي كانت القرار القضائي بالإفراج المؤقت عن الشرطي المتهم، رغم اعترافه بارتكاب الفعل، وفتح تحقيق بتهمة “القتل غير العمد”. القرار هذا، اعتبرته منظمات مثل SOS Racismo وCorridor en Lucha “رسالة سلبية” توحي بوجود تمييز داخل الجهاز القضائي نفسه، وتعيد التساؤل حول مدى استقلالية العدالة في التعامل مع جرائم تمس المهاجرين والمسلمين.

الفاعل الرسمي المغربي.. صمت لا يُطمئن

وسط هذا المشهد المتأزم، وجهت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي سؤالًا كتابيًا إلى وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، تسائلت فيه عن تحرك السفارة المغربية في مدريد، وعن مدى المواكبة القانونية والنفسية التي قُدمت لعائلة عبد الرحيم، خصوصًا في لحظات الجنازة والتصعيد الشعبي. كما شددت على ضرورة توفير حماية قانونية واستباقية للجالية المغربية، التي تُعدّ من أكبر الجاليات الأجنبية في إسبانيا.

وقالت الفتحاوي في نص سؤالها: “لا يمكننا التعامل مع هذه الفاجعة كحالة معزولة، بل هي جزء من مسلسل طويل من العنف المؤسسي، الذي يجد في صمت الحكومات المغاربية أرضًا خصبة للتكرار”.
موقفها يأتي متقاطعًا مع دعوات نشطاء مغاربة في مدريد طالبوا بتأسيس خلية أزمة دائمة داخل السفارة المغربية لمواكبة مثل هذه القضايا، بدل الاكتفاء بردود فعل متأخرة.

سياق أوروبي مقلق.. ومخاوف من التصعيد

الحدث لا يمكن فصله عن سياق أوروبي يعرف تصاعدًا في خطاب اليمين المتطرف، وتراجعًا لسياسات الإدماج، وهو ما يجعل الجالية المغربية في مواجهة تحديات مزدوجة: العنصرية المجتمعية، والعنف المؤسسي.

العديد من الأسر المغربية اليوم تعيش حالة من القلق والخوف على أبنائها، خصوصًا في المدن الكبرى التي تعرف احتكاكًا مباشرًا بين المهاجرين ورجال الأمن.

خلاصات وتوصيات للنقاش العمومي:

  1. ضرورة تفعيل خلية دبلوماسية داخل السفارات لمواكبة حالات العنف والتمييز ضد الجاليات المغربية.

  2. فتح تحقيق مشترك بين المغرب وإسبانيا بآليات شفافة ومحايدة تضمن العدالة لعائلة عبد الرحيم.

  3. إشراك الجالية في بلورة بروتوكولات حماية قانونية ونفسية، عبر دعم جمعيات الهجرة.

  4. دعم الخطاب الإعلامي المهجري للتصدي لصور التنميط والعنصرية، وتعزيز الحوار الثقافي بين المجتمعات.

  5. دعوة الدولة المغربية لتبني دبلوماسية استباقية وحقوقية تعيد الاعتبار لكرامة المواطن المغربي في الخارج.

هل سيبقى صوت أم عبد الرحيم مجرد صدى في ساحة عمومية، أم أن الدولة المغربية ستلتقط النداء وتحوّله إلى فعل مؤسساتي يحمي أبناءها أينما كانوا؟

السؤال مفتوح، والإجابة في يد من يتحمل مسؤولية الدولة والدبلوماسية والإنسان.