في زمن يفتخر فيه المغرب بإنجازات علمية وطبية وثقافية متعددة، مثل العملية الجراحية الناجحة للبروفيسور المغربي أحمد المنصوري، يواجه الوطن تحديات لا تقل أهمية وخطورة. ليس فقط من خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية الظاهرة، بل من خلال صراع خفي يهدد تماسك المجتمع واستقراره، يتمثل في انتشار التفاهة واليأس عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.
هذا الصراع، الذي يشير إليه الوزير الأسبق عزيز رباح بـ”الطابور الخفي”، ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل يمثل تهديداً استراتيجياً لهوية المغرب الوطنية واستقراره السياسي والاجتماعي.
في هذا المقال، نغوص في قراءة تحليلية عميقة تربط هذه الظواهر بالسياق السياسي والدبلوماسي العام، ونتساءل كيف يمكن للمغرب أن يواجه هذه التحديات بخطط واستراتيجيات متكاملة تحافظ على روحه الحضارية وتدعم مستقبله.
في ظل إنجازات وطنية بارزة، مثل العملية الجراحية الرائدة للبروفيسور أحمد المنصوري لعلاج سرطان البروستات بتقنية غير جراحية وبدون تخدير كلي، تتكرر أمامنا مفارقة مزعجة: كثرة الإنجازات الراقية التي لا تجد صدى يليق بها في الإعلام أو المجتمع. فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه القفزة الكبيرة في المجال الطبي وغيرها من المجالات العلمية والتقنية، وفي المقابل ضعف التفاعل والاهتمام الجماهيري؟
الوزير الأسبق عزيز رباح يطرح تشخيصًا جريئًا لما أسماه بـ”الطابور الخفي”، ذلك التيار أو المنظومة التي تستهدف ضرب المنجزات الوطنية، ونشر التفاهة واليأس، وتفكيك الانتماء الوطني، عبر وسائل متعددة من الإعلام إلى التأثيرات الاجتماعية والثقافية. هذا الطابور لا يعمل فقط على إضعاف الفرد، بل يسعى لتفكيك الأسرة، المجتمع، وحتى الدولة، متخذًا من استهداف القيم والهوية الوطنية هدفاً استراتيجياً.
إلى أي مدى يُعد هذا الطابور ظاهرة داخلية فقط، أم أنه جزء من صراع أعمق على النفوذ في المنطقة، خصوصًا في ظل التحولات السياسية والدبلوماسية التي يعيشها المغرب على الساحة الإقليمية والدولية؟ وكيف يمكن للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية أن تواجه هذا التحدي الذي لا يقل خطورة عن التحديات الاقتصادية والسياسية؟
رغم هذا التحدي، يؤكد رباح على وجود إرادة وطنية صلبة في مواجهة هذه المحاولات، داعياً الدولة إلى تحريك جميع مؤسساتها الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية، لتكريس برامج توعية وتعزيز المناعة الاجتماعية ضد تفشي التفاهة واليأس. كما يدعو القوى الحية والمخلصين في المجتمع إلى الصمود والعمل المستمر، رافضًا الانصياع لليأس مهما اشتدت العواصف.
في ظل هذه الرؤية، تبرز تساؤلات مهمة: كيف يمكن للنخب السياسية والثقافية أن تستثمر في تعزيز الهوية الوطنية وتقوية الحس بالانتماء؟ وهل يمكن لوسائل الإعلام الحديثة، مع أدواتها الرقمية المتنوعة، أن تصبح سلاحًا مضادًا للطابور الخفي بدلًا من أن تكون ساحة له؟
إن المغرب، كما يؤكد رباح، مليء بالكفاءات والمبادرات التي تستحق التشجيع والاحتفاء، مهما بدت الإنجازات محدودة أو على نطاق ضيق. فكل خطوة إصلاحية، حتى لو كانت فنية أو رياضية أو ثقافية، تسهم في بناء مناعة وطنية، وتعزز الأمل في مستقبل أفضل.
في نهاية المطاف، يبدو واضحًا أن مواجهة التفاهة واليأس ليست مجرد تحدٍ ثقافي أو اجتماعي فقط، بل هي معركة سياسية واستراتيجية تحتاج إلى إرادة جماعية شاملة، تجمع بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، في سبيل الحفاظ على المغرب الحضاري الذي نعرفه ونفتخر به.