“مفارقات زيت الزيتون المغربي: تصدير يُغني الأجانب ويُرهق جيوب المغاربة”

0
186

“زيت الزيتون المغربي: بين الفخر الوطني والضغوط الدولية – مفارقة الأسعار التي تكشف اختلالات هيكلية”

في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الأساسية في المغرب، تبرز قضية زيت الزيتون كواحدة من أبرز الملفات التي تثير تساؤلات حول مدى فعالية السياسات الزراعية والاقتصادية في تحقيق توازن بين الإنتاج الوطني والمستهلك المحلي.

المفارقة تبدو واضحة: المغرب، الذي يُعتبر من أكبر منتجي زيت الزيتون في العالم، يجد نفسه أمام أسعار محلية مرتفعة تصل إلى 94 درهماً للتر الواحد، في حين يُباع زيت الزيتون نفسه في الأسواق الأوروبية، كإسبانيا، بحوالي 5 أورو (حوالي 55 درهماً).

هذه المفارقة تفتح الباب أمام تساؤلات حول الفعالية الحكومية في مواجهة الأزمات الاقتصادية والزراعية، وتثير نقاشاً حول العدالة في توزيع الثروة الوطنية.

أولاً: جذور المفارقة – الأسباب الاقتصادية والزراعية
لفهم هذا التناقض، علينا النظر في جملة من العوامل الاقتصادية والزراعية:

  1. التفاوت بين الإنتاج المحلي والسوق العالمية:
    المغرب يُنتج كميات كبيرة من زيت الزيتون سنوياً، ولكن تصدير جزء كبير منه للأسواق الخارجية بأسعار تنافسية يضع ضغطاً على السوق المحلي. في المقابل، تجد الفلاحين الصغار والمتوسطين يواجهون صعوبات كبيرة في تسويق منتجاتهم داخلياً، مما يدفعهم إما إلى تصديرها أو بيعها عبر الوسطاء بأسعار زهيدة، في حين يعاني المستهلك المحلي من ارتفاع الأسعار نتيجة التكاليف الوسيطة واحتكار بعض الجهات للسوق.

  2. السياسات الزراعية وتأثيرها على العرض المحلي:
    رغم أن المغرب تبنى مخططات زراعية مثل “المغرب الأخضر” و”الجيل الأخضر” بهدف زيادة الإنتاجية وتعزيز الصادرات، إلا أن هذه المخططات فشلت في تحقيق استدامة في الإنتاج المحلي وضمان توفر المنتجات الأساسية بأسعار معقولة. فخلقوا فزاعة مشاكل نقص المياه، وتدهور البنية التحتية الزراعية، وتراجع دعم التعاونيات المحلية مما جعل حجتهم قوية وساهمت في تقليل العرض المحلي ورفع الأسعار.

  3. التصدير وتفضيل الأسواق الخارجية:
    مع ازدياد الطلب على زيت الزيتون المغربي في الأسواق العالمية لجودته العالية، تتجه العديد من الشركات المغربية نحو التصدير بدلًا من تلبية الاحتياجات المحلية. السوق الأوروبية، خاصة إسبانيا، توفر أسعاراً جذابة للمصدرين المغاربة، مما يجعلهم يفضلون التصدير على تزويد السوق المحلي. هذا الأمر يُعزّز من انعدام التوازن في السوق الداخلي ويزيد من صعوبة التحكم في الأسعار.

ثانياً: التداعيات الاجتماعية والاقتصادية
ارتفاع أسعار زيت الزيتون في المغرب ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل له تأثيرات اجتماعية عميقة:

  1. تآكل القدرة الشرائية:
    يُعتبر زيت الزيتون من المكونات الأساسية في النظام الغذائي المغربي. ارتفاع أسعاره يؤثر بشكل مباشر على الأسر المغربية، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على هذا المنتج. الأسرة المغربية المتوسطة، التي تعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف الحياة، تجد نفسها مجبرة على التقليل من استهلاك زيت الزيتون أو البحث عن بدائل أرخص وأقل جودة.

  2. تهديد الزراعة التقليدية:
    في ظل تزايد تكاليف الإنتاج وتدهور البنية التحتية الزراعية، يعاني الفلاحون الصغار من ضغوط كبيرة. أزمة المياه، عدم توفر الدعم الكافي، وارتفاع تكاليف التشغيل كلها عوامل تجعل الزراعة التقليدية مهددة. الكثير من الفلاحين يجدون أنفسهم مجبرين على تقليص مساحات زراعة الزيتون أو حتى الانتقال إلى زراعات أخرى، مما يعزز من تراجع الإنتاج الوطني ويفتح الباب أمام المزيد من الواردات.

  3. عدم كفاءة الحلول الحكومية:
    مع الحديث عن فتح باب استيراد زيت الزيتون كحل لخفض الأسعار، يظهر تباين واضح بين الخطاب الرسمي والواقع. فالاستيراد لن يعالج جذر المشكلة المتمثل في الاختلالات الهيكلية للقطاع الزراعي، بل قد يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الأسواق الخارجية وتراجع الإنتاج المحلي. هذا النهج قد يكون مجرد مسكن مؤقت لا يُعالج الأسباب الأساسية لارتفاع الأسعار.

ثالثاً: الحلول الممكنة – إعادة التفكير في السياسات الزراعية والاقتصادية

لمواجهة هذه الأزمة المستمرة، يجب تبني حلول شاملة تتجاوز التفكير في الحلول السطحية:

  1. تعزيز الإنتاج المحلي ودعم التعاونيات:
    يجب أن تكون هناك سياسات حكومية داعمة للفلاحين المحليين، خاصة في ما يتعلق بالزراعة الموجهة للسوق الداخلية. يمكن للحكومة تعزيز التعاونيات الزراعية التي تعمل على تحسين الإنتاجية وضمان أسعار عادلة للمستهلكين والفلاحين على حد سواء. كذلك، يجب تحسين تقنيات الري والاعتماد على تقنيات حديثة لتقليل التأثر بمشاكل المياه.

  2. تحسين سلسلة القيمة والتوزيع:
    الفجوة الكبيرة بين الأسعار التي يبيع بها الفلاحون والأسعار التي يدفعها المستهلكون تعكس وجود مشكلة في سلسلة التوزيع والوساطة. يجب وضع آليات لضمان الشفافية في التسعير وتسهيل وصول المنتجات مباشرة من المنتجين إلى المستهلكين، بدون الحاجة إلى وسطاء يرفعون الأسعار بشكل غير مبرر.

  3. الاستثمار في البحث والتطوير الزراعي:
    لضمان استدامة إنتاج زيت الزيتون على المدى الطويل، يجب على الحكومة أن تستثمر في البحث والتطوير لتحسين الإنتاجية وزيادة مقاومة النباتات للجفاف وتحديات التغير المناخي. كذلك، يمكن تعزيز استخدام التقنيات الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاج المحلي وتلبية الطلب المتزايد.

خاتمة: هل من حل طويل الأمد؟
أزمة أسعار زيت الزيتون في المغرب ليست مجرد قضية تتعلق بعرض وطلب، بل هي مؤشر على الاختلالات العميقة في السياسات الزراعية والاقتصادية التي تحتاج إلى إعادة نظر شاملة. الحلول المؤقتة مثل الاستيراد قد توفر انفراجة قصيرة الأمد، لكنها لن تعالج جذور المشكلة.

يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بتعزيز الإنتاج المحلي وتحسين الكفاءة في توزيع الموارد لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، وضمان أن يبقى زيت الزيتون، هذا المنتج التقليدي والفخر الوطني، في متناول الجميع.