تواجه مختلف مدن المملكة عدّة مشاكل جوهرية تتمثل بصعوبة إيجاد مدافن تستوعب المتوفين حديثاً بسبب عجز السلطات المحليةعن متابعة التغيّرات الديموغرافيةمع التوسع العمراني الذي شهدته المدن والبلدات.
الرباط – أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، بوجود “فراغ قانوني” بخصوص توفير المساحات المخصصة للمقابر، مؤكدا أن أراضي الأوقاف خصصت 33 هكتارا للمقابر لكنها “لن تحل المشكل” في ديمغرافية معينة تستوجب 100 هكتار كل عام، مشيرا إلى أن وزارته تتدخل أحيانا لكن “لا يجب الاعتماد عليها لا شرعا ولا وضعا” لحل العجز في مساحات المقابر.
وضعية المقابر دخلت إلى قبة البرلمان المغربي أكثر من مرة، حيث انتقد نواب من أحزاب الأغلبية والمعارضة، الحالة التي توجد عليها العديد من المقابر، حتى الشهيرة منها، من قبيل مقبرة “الشهداء” وسط العاصمة الرباط، والتي تضم رفات الكثير من الشخصيات الرفيعة في مجالات السياسة والثقافة والفكر.
وصبت انتقادات نواب برلمانيون في جلسة عمومية للأسئلة الشفهية بمجلس النواب، الاثنين من “قلة المساحة المخصصة للمقابر في المدن المتوسطة والكبرى، إضافة إلى معضلة الإهمال والتفريط التي تتعرض له حيث تكون أحيانا مرتعا للإجرام”، مفيدين أن “الوزارة عاجزة على توفير حاجيات المدن في دفن موتاها بنسبة عجز تقدر ما بين 80 إلى 100 هكتار سنويا”.
وكشف أحد النواب البرلمانيين في تعقيبه على جواب الوزير، أن هناك “فتوى تقول إنه بعد 40 سنة يمكن إعادة الدفن في المقابر، لكن مع الأسف اليوم نبني القبور بالرخام والحجر مما يمنع إعادة الدفن”، مستفسرا حول “وجود فتوى تمنع بناء القبور حتى يتسنى تطبيق إعادة الدفن في نفس الأرض”.
واستبعد الوزير في جوابه، أن يكون البناء بالحجر أو الرخام هو سبب عدم اعتماد المغاربة دفن ميت على ميت، موضحا أن “تقاليد المغاربة أنه لا يدفن في مقبرة قديمة ولا يقبلون بأن يدفن أحد فوق أحد أفراد عائلاتهم”، مشترطا أنه “يجب أن يقبل أهل الميت”.
وفيما يتعلق بدور الوزارة بشأن المقابر، الوزير أن “إحداثها وتدبيرها وصيانتها وتسييجها من اختصاص الجماعات المحلية”، لافتا أن دور الوزارة في هذا الشأن “يقتصر في الحفاظ على حرمة المقابر والذود عنها من كل انتهاك أو ترام بعد نهاية الدفن فيها واعتبارها حبوسا عاما”.
مشاكل اكتظاظ المقابر ليست الوحيدة التي تؤرّق المغاربة، فعدد منها يفتقر إلى أسوار تحيط بها، ما يجعلها عرضةً للانتهاكات والمسّ بحرمة الموتى، بالإضافة إلى عدم توظيف حراس مقابر فيها. وهو ما يتسبّب في تجاوزات من قبيل نقش القبور وغزو النباتات والأحراش إلى جانب رمي النفايات. وفي بعض الحالات، فإنّ الطرقات والمسالك المؤدية إلى المقابر تعرقل رحلة الجنازة في الوصول إلى المدفن نظراً إلى تردّي أوضاعها.
وزارة الداخلية المغربية تقر بدورها في مشكلة المقابر في البلاد، والناجمة عن توفر زهاء 1250 مقبرة في مدن المملكة، أكثرها مقابر غير مجهزة بالشكل اللائق لاستقبال الموتى، لكنها عرضت حلا ماديا يتمثل في تمويل 50 بالمائة من الغلاف المالي الذي يتيح إصلاح المقابر.
مؤسسة رسمية أخرى دقّت ناقوس الخطر بشأن أوضاع المقابر في المملكة، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعنى برصد تطور حقوق الإنسان في البلاد، حيث دعا في تقرير سابق إلى ضرورة التوفر على “مقابر تؤثث المشهد العام داخل البوادي والمدن، في إطار استراتيجية محكمة ومتكاملة لإعداد التراب وتأثيث المجال.”
وتوقف المجلس ذاته عند “الحالة السيئة للمقابر، حيث يتم الدفن في معظمها، بما فيها المتواجدة بالعاصمة الرباط، بدون نظام دقيق، كما أن العديد منها لا تتوفر على سجلات للدفن، ولا على نظام حراسة”، كما تعاني إهمالا كبيرا على جميع المستويات، حيث أضحت مرتعا للمتسكعين والمتسولين، ومجالا لرمي القمامة ونمو الأعشاب العشوائية”.
وبخصوص مشكلة الإهمال، الذي أصاب المقابر، وتحولها إلى أوكار للمنحرفين والباحثين عن الممنوعات، دعت الجمعيات الناشطة في مجال صون المقابر إلى ضرورة تخصيص شرطة خاصة بالمقابر، بهدف حماية حرمة الموتى تماما مثل الأحياء، وأيضا تنظيف وصيانة هذه الأماكن من الدنس ومحاولات البعض العبث بجثث الموتى لأغراض السحر والشعوذة.