ملاءمة الأجور والأسعار: قراءة تحليلية من منظور “المغرب الآن”

0
377

في نصّه الذي يحمل عنواناً تقنياً «ملاءمة الأجور والأسعار»، لا يكتفي عبد الرحيم الرماح بتناول مطلب الزيادة في الأجور كموضوع منفصل، بل يُوضّعه في إطار ترابُط السياسات الاجتماعية والاقتصادية: الحماية الاجتماعية، صناديق التقاعد، مراقبة الأسعار، والحوار الاجتماعي. ما يرمي إليه الكاتب ليس فقط رفع الأجور، بل بناء «بيئة» تجعل هذه الزيادة فعالة ومستدامة.

لكنّ القراءة النقدية تبيّن أن هناك فجوة بين الطموح والصياغة من جهة، وبين التنفيذ والواقع الملموس من جهة أخرى. سنتناول النص أولاً من زاوية ما يطرحه الكاتب، ثم نُعطي قراءة تحليلية مكمّلة.

ما يرمي إليه الكاتب: محاور النص

  1. الحماية الاجتماعية كشرط لنجاح الزيادة في الأجور
    الرماح يأخذ بيد القارئ لتذكيره بأن الزيادة وحدها لا تكفي ما لم تكن مؤشَّرًا على منظومة حماية اجتماعية فعالة: التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التأمين على حوادث الشغل والأمراض المهنية، إصلاح قانون التعويض عن فقدان الشغل، وغيرها.

  2. إصلاح صناديق التقاعد وربطها بالأجور
    يشير إلى أن الزيادة في الأجور يجب أن ترافقها إصلاحات في صناديق التقاعد: رفع مساهمة الدولة، الاستثمار الجيد للأموال، رفع المعاشات، ورفع سن التقاعد اختياراً.

  3. مراقبة الأسعار كرافعة لتوازن الأجر مع مستوى المعيشة
    الزيادة في الأجور تُفقد معناها إذا ما ارتفعت الأسعار دون مراقبة. النص يدعو إلى استراتيجية وطنية للمراقبة وإشهار الأثمنة.

  4. الحوار الاجتماعي متعدد الأطراف والمتعدد المستويات
    يؤكد الكاتب أن العملية لا تكمن فقط في التفاوض بين العمال والشركات، بل في حوار ثلاثي الأطراف (الحكومة، النقابات، أرباب المقاولات) ويتفرّع إلى القطاعي والجهوي والمحلي.

  5. دعوة إلى لجنة موضوعاتية لتنفيذ الرؤية
    ينهي الكاتب بتوصية بإحداث لجنة استشارية مشتركة، تضم الأطراف الثلاثة، مهمتها تحضير المقترحات وتحويلها إلى واقع، مع لجان على المستوى الجهوي والإقليمي والقطاعي.

قراءة تحليلية مكملة: ما بين الكلام والواقع

أ. الأرقام تكشف فجوة التنفيذ

  • الزيادة في الحد الأدنى للأجر (SMIG) للقطاع غير الزراعي ارتفعت بنسبة 5 % لتصل إلى 17.10 درهم في الساعة، ما يجعل الأجر الشهري الصافي نحو 3 045.96 درهم بدءاً من يناير 2025. Hespress+2Morocco World News+2
  • على مدى فترة أطول، تم الإعلان عن زيادة نسبتها حوالي 20 % للحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص، من حوالي 2 638 درهم إلى نحو 3 191.85 درهم، ما يهم أكثر من مليون عامل. Morocco World News+1
  • رغم هذه الزيادات، هناك نحو 6 ملايين عامل غير مصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحسب تصريحات المسؤولين، مما يعني أن جزءاً كبيراً من الأجراء خارج مظلة الحماية الاجتماعية. Morocco World News
  • في التقاعد، تبين أن 36 % من المغاربة لا يتمتعون بأي تغطية تقاعدية، ويصل الرقم إلى 86 % في القطاع غير الرسمي. Morocco World News

منه نستخلص أن الرماح محقّ في تحذيره من “زيادة في الأجور بلا مظلة حماية أو تنفيذ فعلي”؛ لأن الأجر المرتفع نسبياً لا يؤثر إيجاباً إذا بقي العامل غير مصرح به، أو تقاعده غير مضمون، أو الأسعار مستمرة في الارتفاع.

ب. اعتبارات اقتصادية واجتماعية

  • القدرة الشرائية: أجر الحد الأدنى المذكور (≈ 3 000 درهم شهرياً) لا يبدو كافياً في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم. Reddit مثلاً يعكس تجارب يومية:

    “Basic products are insanely expensive compared to people’s income… Just to give a few examples…” Reddit
    إذن، المطلب ليس الزيادة فحسب، بل الزيادة التي تواكب حالة المعيشة الفعلية.

  • القطاع غير الرسمي: الهيمنة في المغرب لاتزال للعمالة غير المنظمة، التي غالباً لا تخضع للقوانين، ولا تستفيد من الحد الأدنى، ولا من الضمان الاجتماعي. هذا يعني أن الإصلاحات التي تنطبق فقط على القطاع الرسمي تترك شريحة ضخمة خارج المعادلة.

  • العدالة الاجتماعية: احترام الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص هو عنصر من عناصر الكرامة. الكاتب يُشير إلى ذلك، وقُلنا: إنه ليس مجرد “رقم قانوني”، بل “كرامة الأجير”. وعليه، كل مخالفة لهذا الأمر تُضعف الثقة في منظومة العدل الاجتماعي.

  • التوازن الاقتصادي: رفع الأجور يعني زيادة كلفة تشغيل المقاولات، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة، في حين أن الأسعار والمنافسة تضغط. الكاتب منطقياً ينبه إلى أن الزيادة يجب أن تكون مرافقة بإصلاحات (الحماية، التقاعد، المراقبة) كي لا تتحول إلى عبء أو تسريح.

ج. متى تتحوّل الرؤية إلى واقع؟

  • الحوار الاجتماعي: النص قيّم حينما يدعو إلى استمرار الحوار. لكن التجربة تظهر أن “دورات الحوار” غالباً ما تُوقف عند صياغة الاتفاقيات، ولا تكون دائماً مؤطرة بآليات تنفيذ ومتابعة.

  • اللجنة المقترحة: فكرة جيدة من الناحية النظرية، لكن النجاح يرتبط بـ”إرادة فعلية”، شفافية، و”تفاعل يومي” مع الواقع المحلي. إذا ظلت اللجنة شكلاً بلا صلاحيات حقيقية أو بدون موارد، فإنها لن تتجاوز المرحلة الخطابية.

  • مراقبة الأسعار: بينما تُعلن الحكومة زيادات في الأجور، يبدو أن السياسات الخاصة بالأسعار أقل وضوحاً، و التلاعبات مستمرة في عدد من الأسواق. الكاتب محق حين يربط بين الأجر والأسعار، لكن التطبيق العملي لهذا الربط مازال ضعيفاً.

  • صناديق التقاعد والإستدامة: النص يحتوي على دعوة لصيانة التقاعد واستدامته، لكن المعطيات التي تفيد بأن شريحة كبيرة لا تغطى أو أن المعاشات منخفضة تدل على أن الجانب الإصلاحي لا يزال متأخراً.

خلاصة: قراءة نقدية موجزة

ما يقدّمه عبد الرحيم الرماح ليس مجرد “قائمة مطالب” وإنما رؤية متكاملة لربط الأجور بالسياسات المجتمعية والاقتصادية. ومن خلال بيانات الواقع، نرى أن هذه الرؤية ذات مصداقية، لكن التحدّي في التنفيذ كبير:

  • التغيير في الحد الأدنى للأجر حدث، لكن ما زال التأثير محدوداً لأن الحماية الاجتماعية ليست شاملة.

  • نظام الحماية والتقاعد يعاني من قصور كبير، مما يهدد “التوازن” الذي يتحدث عنه الكاتب.

  • الأسعار ما زالت تشكل تهديداً للقدرة الشرائية، مما يضعف أي فائدة من الزيادة وحدها.

  • الحوار والمؤسسات المقترحة ضرورية، لكن تحتاج إلى حُوكمة قوية، وضمان متابعة وتقييم.

بمعنى آخر: الزيادة في الأجور، كما يرى الرماح، ليست مجرد رقم، إنما اختبار لجدوى السياسات الاجتماعية أو فشلها. وإذا ما زال التشابك بين الأجور، الحماية، التقاعد، والأسعار غير مُعالج بفعالية، فإن رفع الأجر سيظل “تصحيحاً شكلياً” وليس “تحولاً جوهرياً”.