في مشهد سياسي يعكس هشاشة المعارضة الحزبية في المغرب، انفجرت مواجهة لفظية حادة بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي، العائد إلى المعارضة بمرارة بعد خسارته الساحقة في انتخابات 2021، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد أعرق مكونات اليسار المغربي، بسبب تراجع الأخير عن ملتمس الرقابة الذي كان يفترض أن يُقدَّم ضد حكومة عزيز أخنوش.
وصف “البيجيدي” انسحاب “الوردة” بـ”السلوك البائس”، معتبراً المبررات التي قدمها الحزب الاشتراكي “سخيفة وهزيلة”. لكنه بهذا الهجوم، هل يعبّر فعلاً عن تمسكه بالدور الرقابي للمعارضة، أم أنه فقط يعكس صدمة لم يتجاوزها منذ أن أُقصي من الحكم؟ وهل هذه الاتهامات هي تعبير عن استشعار مبكر لهزيمة أخرى تلوح في أفق انتخابات 2026؟
مبادرة ولدت ميتة: عندما يتغذى الفشل على التفكك
الملتمس الذي أُعلن عنه كمبادرة معارضة جريئة سرعان ما تحول إلى ساحة تبادل اتهامات وتصفية حسابات حزبية. فـ”الوردة” بررت تراجعها بعدم الجدية و”التمسك بالشكل”، مشيرة إلى وجود محاولات لـ”اختلاس” المبادرة وتسريبها للإعلام في إطار مناورات صغيرة. من جهته، يرى حزب العدالة والتنمية أن ما حدث هو “غدر سياسي”، يعكس ازدواجية خطاب حزب لطالما اتُّهم بأنه يلعب على حبال السلطة والمعارضة في آنٍ واحد.
في هذا السياق، تطرح أسئلة جوهرية نفسها: هل كان من الواقعي أصلًا أن تنجح المعارضة، بهذا التشظي الذي تعيشه، في تمرير ملتمس رقابة؟ ثم هل كان الهدف من المبادرة هو فعلاً إسقاط الحكومة أم فقط تسجيل نقاط في معركة استباقية نحو صناديق 2026؟
هل تُوظَّف الرقابة لأغراض انتخابية؟
من المؤكد أن توازن القوى داخل البرلمان يجعل من نجاح أي ملتمس رقابة أمراً أقرب إلى المستحيل، في ظل تحكم أحزاب الأغلبية بـ270 مقعداً مقابل 125 فقط للمعارضة. ما يفتح الباب أمام احتمال أن المعارضة، وخاصة “البيجيدي”، لم تكن تعول فعلياً على تمرير الملتمس، بل على الضجيج الإعلامي المرافق له لكسب تعاطف الشارع واستعادة جزء من شعبيتها المتآكلة.
ولعل التصعيد الأخير ضد الاتحاد الاشتراكي يؤكد أن ملتمس الرقابة لم يكن سوى واجهة لصراع رمزي أكبر، يدور حول الزعامة داخل صفوف المعارضة نفسها، لا حول السياسات الحكومية أو محاسبتها.
غياب المشروع البديل: أزمة “البيجيدي” تتجاوز الملتمس
من المثير أن الحزب الذي يتهم الآخرين بالخذلان والتواطؤ هو نفسه الذي يعاني من أزمة تمويل وتنظيم داخلي خانقة، حسب ما يتداول إعلامياً، ويفتقر إلى خطاب سياسي جديد قادر على إقناع القواعد التي أدارت له ظهرها منذ 2021.
فبدل أن يعكف “البيجيدي” على بناء بدائل واقعية وإقناع الناخبين بقدرته على تصحيح أخطاء الماضي، يواصل اللجوء إلى خطاب المظلومية والاتهامات العمومية التي قد تضر أكثر مما تنفع. فهل بات الحزب أسيرًا لعقدة السقوط؟ وهل يكتفي بتقويض جهود غيره ممن يحاولون لعب دور معارض، أم أن ما نراه هو فعلاً لحظة فرز سياسي قد تفضي إلى إعادة تشكل الخريطة الحزبية؟
معارضة بلا استراتيجية أم برلمان بلا توازن؟
في كل الأحوال، يكشف فشل المعارضة في التوحد خلف ملتمس رقابة رمزي فقط عن حالة من التفكك البنيوي، وفقدان البوصلة السياسية لدى أطرافها. فحتى المبادرات الرقابية صارت تُدار بمنطق المناورة الحزبية لا المصلحة العامة، ما يضعف صورة البرلمان ذاته، ويفرغ أدوات الرقابة من محتواها.
ويبقى السؤال الأكبر: هل نحن أمام نهاية زمن المعارضة المؤثرة في المغرب؟ أم أن ما يحدث هو مخاض عسير لولادة جيل سياسي جديد يتجاوز أعطاب النخب التقليدية التي أنهكتها الحسابات الذاتية؟