أمام تصفيق الكثيرين لانخراط المغرب في تنظيم أكبر التظاهرات الكروية بالعالم، يطرح خبراء ونشطاء ومهتمون سؤالًا قد يبدو مزعجًا لكنه مشروع: ما الثمن الحقيقي لهذه الفرحة الكروية؟ وهل تتحول الفرصة الرياضية إلى فخ مالي وتنموي قد يثقل كاهل الأجيال القادمة؟
الجواب ليس بسيطًا، خصوصًا في ظل غياب نقاش عمومي موسع حول المشروع، واعتماد الخطاب الرسمي على لغة الطمأنة بدل الأرقام الدقيقة والمحاسبة الواضحة.
تصريحات رسمية ووعود وردية
في خضم الجدل الذي يرافق الاستعدادات المغربية لكأس العالم 2030، خرج فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، بتصريحات مثيرة أمام مجلس النواب، أكد فيها أن المملكة “ستستثمر حوالي 150 مليار درهم” في البنية التحتية الموجهة للتظاهرة العالمية، مؤكدًا أن “المغرب لن يبني ملعبًا واحدًا بدون أن تكون له وظيفة بعد نهاية الكأس”.
لقجع قال أيضًا إن تمويل هذه المشاريع سيتم بشكل مشترك بين القطاعين العام والخاص، وأن آليات الحكامة والمراقبة ستكون “صارمة”. لكن تلك الطمأنة، وإن بدت مطلوبة، لم توقف سيل الأسئلة: من سيدفع الفاتورة؟ وكيف سيتم تتبع صرف كل درهم؟ وماذا لو تحولت الملاعب إلى مرافق مهجورة؟
أرقام رسمية… وكلفة غير مسبوقة
وفق تصريح الوزير، فإن الكلفة التقديرية للاستثمارات التي يعتزم المغرب تعبئتها تتوزع على الشكل التالي:
-
50 مليار درهم موجهة لتأهيل البنيات التحتية الكبرى (مطارات، طرق، مرافق سياحية).
-
10 ملاعب سيتم تأهيلها، بالإضافة إلى بناء ملعب جديد بمواصفات عالمية، دون تحديد كلفته المفصلة.
-
مساهمة صندوق محمد السادس للاستثمار، إلى جانب دعم محتمل من القطاع الخاص والبنوك.
أرقام بهذا الحجم لم يسبق للمغرب أن استثمرها دفعة واحدة في قطاع مرتبط بالترفيه الرياضي، ما يطرح سؤال الجدوى في بلد تتراكم فيه تحديات التعليم، الصحة، والسكن اللائق.
تحذيرات من خبراء الاقتصاد: الحذر واجب
الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي كان من أوائل من حذروا من “الاندفاع العاطفي” خلف حلم تنظيم المونديال. وقال في تصريح له إن “غياب معطيات دقيقة حول التمويل والنتائج المحتملة، يجعل من الصعب تقييم الربح والخسارة”.
وفي تصريحات أخرى، أشار خبراء إلى أن “المنفعة الحقيقية من تنظيم مثل هذه التظاهرات لا تكون مضمونة، خاصة إذا لم يكن هناك انخراط مجتمعي ورقابة دقيقة”.
تجارب دولية تحذر من الإفراط في التفاؤل
قبل المغرب، نظمت دول مثل جنوب إفريقيا (2010)، البرازيل (2014)، وقطر (2022) تظاهرات عالمية كبرى، لكن التجربة لم تكن وردية دائمًا:
-
جنوب إفريقيا تركت وراءها ملاعب ضخمة تحولت إلى عبء على البلديات.
-
البرازيل أنفقت أكثر من 11 مليار دولار، وعرفت احتجاجات شعبية واسعة.
-
حتى قطر، رغم ثروتها، واجهت انتقادات حادة بشأن الكلفة البيئية والاجتماعية.
تقرير لصحيفة New York Times أكد أن عددًا من هذه البلدان لم تحقق العوائد الموعودة من تنظيم المونديال، بل غرقت في مديونية إضافية.
غموض في آليات الحكامة والمحاسبة
رغم حديث الحكومة عن “آليات صارمة”، لم يتم إلى الآن الإعلان عن لجنة مستقلة لتتبع هذه المشاريع أو عن آليات واضحة لضمان الشفافية. أين هو دور البرلمان، والمجلس الأعلى للحسابات، وهيئات حماية المال العام؟ وهل سيُفتح الباب للصحافة الجادة للتتبع والمساءلة؟وهل سيتم إحداث بوابة إلكترونية عمومية توضح كل صفقة ومقاولة ورصيد مالي تم صرفه كما في بعض البلدان الديمقراطية؟
المغرب… هل نحن مستعدون؟
صحيح أن تنظيم المونديال يُعد إنجازًا دبلوماسيًا وسياسيًا، لكن لا يمكن القفز على حقيقة أن البنية التحتية في عدد من المدن الكبرى والصغرى تعاني من مشاكل جوهرية:
-
طرق حضرية متهالكة.
-
خدمات نقل عمومي ضعيفة.
-
تفاوت مجالي واضح بين المناطق الساحلية والداخلية.
فهل سيتم استغلال فرصة كأس العالم لمعالجة هذه الإشكالات، أم ستُصرف الميزانيات في المنشآت الرياضية فقط؟
“فرصة تاريخية” أم “مقامرة كبرى”؟
بين من يرى في كأس العالم 2030 فرصة لتنشيط الاقتصاد، والسياحة، وجذب الاستثمارات، هناك من يخشى أن يتحول إلى “مشروع فرح مؤقت”، تدفع ثمنه الدولة لعقود.
وفي غياب نقاش وطني جاد، تبدو النخب السياسية منقسمة بين صمت حذر وتصفيق دون شروط. أما المواطن المغربي، فهو مطالب مرة أخرى بأن يكون مشجعًا، لا محاسبًا.
ما المطلوب اليوم؟
بعيدًا عن التهويل أو التقزيم، المطلوب اليوم هو:
-
كشف دقيق عن تفاصيل التمويل والكلفة النهائية.
-
إنشاء هيئة مستقلة لتتبع المشروع.
-
إشراك المجتمع المدني والإعلام في المراقبة.
-
تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي بشكل دوري.
-
وربط كل مشروع تنموي متعلق بالمونديال بإصلاحات دائمة لا تخدم فقط “90 دقيقة من الكرة”، بل مستقبل بلد بأكمله.