مناطق صناعية عشوائية تطيح بمنتخبين كبار قبل انتخابات 2026: بين حزم وزارة الداخلية وتحوّلات الخريطة السياسية

0
170
صورة: و.م.ع

في توقيت لافت يسبق استحقاقات 2026، تتحرك وزارة الداخلية بسرعة غير معهودة في ملف يبدو أن الدولة قررت فتحه حتى العمق: المناطق الصناعية العشوائية التي نبتت كالفطر في محيط الرباط والقنيطرة والمحمدية وبنسليمان ومديونة والنواصر وبرشيد والجديدة. التحرك ليس تقنيًا فقط… بل سياسي أيضًا. وهنا تبدأ الأسئلة.

تحركات غير عادية: لماذا الآن؟ ولماذا بهذا الحزم؟

التعليمات التي وصلت إلى الولاة والعمال لم تترك هامشًا للتأويل: تحرير محاضر مفصلة، ضبط الخروقات، تفعيل مدونة التعمير، وتطبيق مرسوم ضابط البناء بلا تردد.

هذا يعني أن المرحلة ليست فقط “ترتيب بيت التعمير”، بل إعادة رسم حدود النفوذ المحلي قبل الانتخابات.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الإجراءات تشمل توقيف منتخبين حاليين، وإحالة ملفاتهم على القضاء الإداري، ما قد يفضي إلى عزلهم وحرمانهم من الترشح في استحقاقات 2026.

فهل نحن أمام حملة تقنية… أم أمام إعادة هيكلة سياسية واسعة؟

القانون التنظيمي الجديد… مفتاح المرحلة

تزامن هذه العمليات مع تقديم وزير الداخلية لمشروع القانون التنظيمي 53.25 المعدل للقانون 27.11 ليس صدفة. المشروع يشدد شروط الترشح، يمنع المدانين ابتدائيًا في الجنايات من خوض أي انتخابات لاحقة، ويعلّق ملفات المترشحين المتابعين إلى حين صدور أحكام نهائية.

كما ينص على تمديد فترة المنع للمعزولين بسبب مخالفات جسيمة لمدتين انتخابيتين كاملتين. بهذه الصيغة، يصبح أي منتخب متورط في خروقات التعمير خارج اللعبة لسنوات طويلة.

لوائح سوداء… وهندسة سياسية جديدة؟

مصالح الداخلية طالبت بإعداد لوائح تضم جميع المنتخبين الذين تورطوا في استنبات مناطق صناعية عشوائية.

الأمر لا يتعلق بخروقات فردية، بل بخريطة كاملة من العلاقات والمصالح، حيث تحوّلت مستودعات و”هنكارات” غير قانونية إلى مصانع سرية لإنتاج مواد محظورة، أبرزها أكياس البلاستيك.

السؤال هنا: هل اللائحة السوداء مجرد خطوة تأديبية؟ أم مقدمة لإعادة ترتيب التمثيل المحلي والجهوي؟

مداهمات واسعة… وملفات حارقة

التقارير الإقليمية التي توصلت بها الإدارة المركزية كشفت إغلاق معامل سرية وحجز أطنان من اللفافات البلاستيكية، بعضها يعمل “تحت حماية ما” داخل الأسواق الأسبوعية بعيدًا عن عيون لجان المراقبة.

كما وقفت تقارير المفتشية العامة على تلاعبات خطيرة في رخص السكن وشهادات المطابقة، وهو ما دفع سلطات إقليمية إلى توجيه تعليمات صارمة لأعوان السلطة، تنبههم من أي تواطؤ.

بل إن مسوحات جوية أظهرت أن بؤرًا من البناء العشوائي تحولت إلى مجمعات صناعية سرية تستنزف الكهرباء والماء وتلوث الفرشة المائية.

منطقة الدار البيضاء: مركز الثقل

في النواصر ومديونة وبرشيد تحديدًا، يتقاطع العشوائي الصناعي مع نفوذ منتخبين نافذين. أحد رؤساء الجماعات – الذي سبق عزله – عاد عمليًا عبر باب آخر، بعدما تمكن من إيصال ابنه إلى رئاسة الجماعة، في محاولة واضحة للحفاظ على شبكة مصالح قائمة فوق أراضٍ تحولت إلى “منطقة صناعية” غير معلنة.

ما الذي يعنيه ذلك في أفق 2026؟

ما يجري لا يبدو حملة ظرفية. بل هو تحرك يشي بأن الدولة تعيد صياغة قواعد المشاركة السياسية، بحيث يصبح الالتزام بقانون التعمير شرطًا أساسيًا للولوج إلى اللعبة الانتخابية.

يبقى السؤال الجوهري: هل سينتهي النفوذ المحلي المبني على “اقتصاد العشوائي”، أم ستجد شبكات المصالح طرقًا جديدة للتكيّف؟ وهل سيؤدي هذا الزلزال الإداري إلى ميلاد نخبة سياسية جديدة… أم مجرد إعادة توزيع مؤقت للأوراق؟

في كل الأحوال، ما يجري اليوم يضع البلاد أمام لحظة مفصلية بين تخليق الفضاء الترابي وتغيير موازين القوة قبل الانتخابات.