من المرجح أن يضمن البشير مصطفى السيد بعد إعلان دعمه لغالي، منصبا كبيرا في الجبهة الانفصالية، ويتولى حاليا منصب “وزير مستشار في رئاسة البوليساريو” وسط اتهامات لكبير الانفصاليين بشراء الولاءات القبلية، ما يسلط الضوء على هشاشة كيان غير شرعي قائم على أسس من رحم نزاع مفتعل في الصحراء.
قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمرها الـ 16، المقرر عقده في الفترة من 13 إلى 17 يناير/كانون الثاني الجاري تخلى البشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس البوليساريو كيان غير شرعي قائم على أسس من رحم نزاع مفتعل في الصحراء، عن منافسته إبراهيم غالي لرئاسة الجبهة الانفصالية، وأعلن في كلمته يوم أمس دعم ترشيح غالي، وتشير المعطيات إلى أن الطريق بات سالكا أمام إبراهيم غالي لقيادة الجبهة الكيان غير شرعي لولاية ثانية،
وفي كل الحالات سواء أعيد انتخاب غالي أو تم اختيار شخصية أخرى وهو أمر مستبعد حسب مؤشرات تؤكد وجود تلاعب كبير بلوائح المؤتمر، فإن ما يجري يسلط الضوء على أن الكيان غير الشرعي المسمى الجمهورية الصحراوية قائم على أسس هشة من رحم النزاع المفتعل الذي تؤججه الجزائر وتلقي بثقلها في دعمه ضمن عداء بات نهجا في السياسة الخارجية الجزائرية.
وما يحدث حاليا لم يكن استثناء في تاريخ البوليساريو، فبحسب التيار المعارض والذي يتعرض للقمع وتكميم الأفواه داخل مخيم تندوف أو خارجه وهو تيار في غالبه يبحث عن تسوية تنهي النزاع، فإن القادة النافذين الذين يحظون بدعم الجزائر اعتادوا على التلاعب وعلى شراء الولاءات من أجل الحفاظ على مكاسب كبيرة وعلى مصالحهم ونفوذهم بعيدا عن شواغل الصحراويين المحاصرين في تندوف.
ونقل موقع ‘هسبريس’ المغربي في تقرير له عن مصادر لم يسمها من مخيم تندوف، قولها إن “إبراهيم غالي قام بتوزيع دفعة من السيارات رباعية الدفع على عدد من أتباعه لضمان الولاءات القبلية، خاصة أنه استهدف القبيلة الموالية لمنافسه البشير مصطفى السيد”.
وأثارت تصرفات غالي غضب عدد من القيادات من بينهم البشير مصطفى، الذي وجه له انتقادات حادة باعتبار تصرفاته محاولة للاستقطاب من خلال إغداق المال والهدايا على فئات بعينها.
وتقول المصادر ذاتها إن غالي تلاعب بقوائم المؤتمرين بزجه بأسماء من قبيلته في لائحة المصوتين، بينما قام بحذف بعض الأسماء التي يتوجس من نتيجة تصويتها وهي على الأرجح أسماء وازنة وتحظى بالقبول، مضيفة أن الأمر ذاته ينطبق على “الأسماء المحايدة” في الصراع بين المتنافسين على المنصب السياسي.
وتسبب هذا الوضع في فوضى خلال الندوة التحضيرية للمؤتمر العام للجبهة، لكن المحيطين بغالي منعوا على كثير من المشاركين إدخال الهواتف مخافة توثيق الخلافات التي يحرص زعيم البوليساريو على عدم خروجها للعلن، إلا أن متابعين لوضع الجبهة الانفصالية أكدوا في أكثر من مناسبة أن توفر منصات التواصل الاجتماعي فضحت مرارا صراع الأجنحة على خلاف الوضع سابقا حين كانت وسائل التواصل محدودة.
ونقل الموقع المغربي عن محمد سالم عبدالفتاح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، قوله إن “احتدام الصراع الداخلي في الجبهة الانفصالية بين العناصر القيادية الرئيسية يأتي في سياق حالة الشغور والضعف في زعامة البوليساريو، منذ افتضاح تهريب زعيمها للعلاج في إسبانيا والتداول الإعلامي للمتابعات القضائية له بسبب ماضيه الإجرامي”.
وتابع “ما يعمق أزمة ضعف الزعامة في المشروع الانفصالي هو غياب البديل المناسب، بسبب احتراق صورة معظم العناصر القيادية التي باتت موضوع متابعات جنائية هي الأخرى بموجب تهم ثقيلة تشمل القتل خارج القانون والاختطافات والتعذيب والاغتصاب، فضلا عن افتضاح فسادها المرتبط باغتنائها المشبوه وتورطها في النهب الممنهج للمساعدات الإنسانية المخصصة لقاطني مخيمات تندوف”.
وهذا الوضع لم يعد سرّا رغم محاولة القيادة الحالية مداراته بدعاية مفضوحة حتى داخل مخيم تندوف، بينما يعيش المشروع الانفصالي آخر أيامه على وقع النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الرباط والتي عززت من خلالها مغربية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ويقول عبدالفتاح “في ظل حالة الإفلاس والفشل السياسي الذريع التي يتخبط فيها المشروع الانفصالي مع توالي النكسات والهزائم السياسية والدبلوماسية والميدانية، خاصة مع انكشاف زيف الدعاية الحربية وحالة الحسم الميداني والدبلوماسي التي يحققها المغرب، باتت قدرة البوليساريو على التعبئة والتأطير في مخيمات تندوف منعدمة”.
وأوضح أن هذا الوضع دفع “بالقائمين على الجبهة الانفصالية إلى اللجوء إلى العصبيات القبلية لأجل التحكم في التوازنات الاجتماعية بمخيمات تندوف، حيث تلجأ العناصر القيادية إلى توظيف النعرات والتحشيد القبلي لأجل التنافس على المواقع القيادية في مؤتمرها العام”.
ويفسر هذا التكالب على المناصب القيادية في الجبهة إلى حد كبير سبب النزاع الداخلي وهو ضمان استمرار الكسب من قضية واهية لا تمتلك أي مقوم للصمود، لكن الإبقاء على ضجيج النزاع وما يسمى بحق تقرير المصير شعارا لمعركة، ليس إلا للإبقاء على منافذ التربح.
ورأى رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان أن هذه المتغيرات هي التي “ركزت التنافس بين العناصر القيادية في الجبهة الانفصالية على المناصب والمواقع المدرة للتربح والاغتناء من قبيل تلك المتعلقة بتدبير مخازن السلاح والغذاء والأدوية، حيث يتم توظيف تلك المواقع لأجل الاغتناء والتربح ضمن خطوط الإمداد الخاصة بالجماعات المسلحة المنتشرة بدول الساحل والتي تتكفل بتسويق المواد المنهوبة في بعض المناطق التي تسيطر عليها”.
ومن المستبعد جدا أن يكون الصراع الدائر حاليا على زعامة البوليساريو ولا حتى ممارسات غالي يتم بمنأى عن الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية أو الغرفة المكلفة بإدارة هذا الملف.
ويعتقد أيضا أن للنزاع الحالي بين قيادات البوليساريو وجها آخر أو تفرعات في الداخل الجزائري، حيث تبقى الكلمة الفصل في حسم ملف ذلك النزاع داخل الجبهة بيد الجزائر التي تحاول السيطرة على وضع منفلت لكنها هي أيضا تعاني من صراع اجنحة داخل أجهزتها الأمنية والعسكرية.
وفي مقابل وضع مربك للجبهة الانفصالية، يتحرك المغرب بكل هدوء على أكثر من جبهة لتعزيز الاعترافات الدولية والإقليمية بمغربية الصحراء، مستفيدا من توسيع الشراكات مع فاعلين دوليين ومستثمرا حالة الضعف التي تعيشها البوليساريو التي يفترض أنها ستكون طرفا في حوار المائدة المستديرة وهي الآلية التي تتمسك بها الأمم المتحدة لتمهيد الطريق لتسوية سياسية سلمية للنزاع في الصحراء.