منصب كاتب الدولة: بين التطلعات المرتقبة ومحدودية الفعالية: قطاع الإسكان والتعمير نموذجا..

0
222
الكاتب: محمد مرفوق 

تشهد الآن الساحة السياسية خاصة والرأي العام عامة، تضاربا كبيرا حول موضوع التعيينات المرتقبة في مناصب كتاب الدولة الذين تمت الإشارة إليهم بمناسبة تعيين حكومة عزيز أخنوش الحالية، ونُشرت تكهنات ومجرد تخمينات متضاربة من جهات مختلفة.. 

ولوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة تجربة ليست بالهينة مع هذه المؤسسة الحكومية، مؤسسة “كاتب الدولة”، التي سبق أن عرفت نجاحات، وتخللتها إحباطات في آونات أخرى، وما دامت هناك تساؤلات حول ما إذا كان الأمر قد يهم وزارتنا مرة أخرى، فإن لنقابة “سماتشو” تخوفات من إعادة تجارب لم تكن بالمثمرة خلال حقبات زمنية خلت، إن هي تمت بالشكل المجانب للصواب..

وفي ما يلي جرد لتعيينات كتاب الدولة الذين سبق لهم أن تولوا مناصب ضمن التشكيلات الحكومية السابقة.   

فبعد مغادرة عباس الفاسي، وزير السكنى وإعداد التراب الوطني في الحكومة رقم 16 التي كان يترأسها محمد المعطي بوعبيد، وتعيين المفضل لحلو، وزيرا للسكنى وإعداد التراب الوطني بتاريخ 5 نونبر 1981 ضمن الحكومة رقم 17، الحكومة الثانية التي ترأسها محمد المعطي بوعبيد، يتم لأول مرة تعيين كاتب للدولة في السكنى وإعداد التراب الوطني، وقد هم الأمر المهندس المعماري، “عبد اللطيف الحجاجي”، ابن وزارة الداخلية الذي سبق أن كان مسؤولا بولاية جهة أكادير- سوس- ماسة.

وكانت تجربة فاشلة لم تروغ عن مكانها، حيث إن عبد اللطيف الحجاجي لم يتسلم أي تفويض إمضاء أو اختصاص من طرف الوزير الرسمي المفضل لحلو، وقضى كل فترة انتدابه كاتبا للدولة دون أن يقوم بأي عمل يذكر أو يتكلف بهمة ما، وبقي الأمر على هذا الحال إلى حين تعيين الحكومة رقم 18 برئاسة كريم العمراني بتاريخ 30 نونبر 1983، ليحتفظ المفضل لحلو بمنصبه كوزير للسكنى وإعداد التراب الوطني، ويغادر عبد اللطيف الحجاجي التشكيلة الحكومية بصفة نهائية

وبدون عودة في حكومة أخرى لاحقة..

وكان علينا انتظار الحكومة رقم 26، حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، ليتم بتاريخ 16 مارس 1998 تعيين محمد اليازغي، وزيرا لإعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، ويتم تعيين محمد المباركي، كاتبا للدولة مكلفا بالإسكان.. وهذه هي التجربة الوحيدة التي يمكن أن نعتبرها ناجحة بكل المقاييس بالنسبة لهذه الوزارة، حيث فوضت الاختصاصات الكاملة والتامة من طرف الوزير محمد اليازغي لفائدة محمد المباركي بالنسبة لقطاع الإسكان. ودام الحال على ما هو عليه حتى عند تنصيب الحكومة رقم 27، التي ترأسها هي الأخرى عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ 6 سبتمبر 2000، حيث احتفظ محمد المباركي بمنصب كاتب الدولة مكلفا بالإسكان..

وكان علينا انتظار حكومة ادريس جطو، الحكومة رقم 28 في تاريخ المغرب بعد الاستقلال، لنرى، لنرى أول مرة بتاريخ 7 نونبر 2002، وهي المرة الوحيدة، تعيين وزير منتدب مكلف بالقطاع، والأمر يهم أحمد توفيق حجيرة، الذي تم تعيينه وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلف بالإسكان والتعمير..

 ومباشرة بعد ذلك، عند تنصيب الحكومة رقم 29، التي ترأسها عباس الفاسي بتاريخ 15 أكتوبر 2007، تم هذه المرة تعيين احمد توفيق حجيرة، وزيرا للإسكان والتعمير والتنمية المجالية، وتم كذلك، ضمن نفس التشكيلة الحكومية، تعيين عبد السلام المصباحي، كاتبا للدولة مكلفا بالتنمية الترابية.

وما يمكن قوله عن هذه التجربة الأخيرة، أنها كانت شبه ناجحة، حيث لم يقع أي اصطدام أو اختلاف في الرأي أو التوجه بين الوزير وكاتب الدولة.. وربما الأمر راجع لكون المسؤولين الإثنين ينتميان لنفس حزب الاستقلال، كما أن التجربة التي سبقتها أثناء حكومة التناوب، همت بدورها مسؤولين ينتميان لنفس الحزب، وهو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فكان التناغم حاصلا وحسن العلاقة قائما وثابتا.. 

ومع قدوم الحكومة رقم 30، التي ترأسها عبد الإله بنكيران بتاريخ 3 يناير 2012، والتي تم تعيين محمد نبيل بنعبد الله ضمن تشكيلتها كوزير للسكنى والتعمير وسياسة المدينة، تم التخلي عن منصب كاتب الدولة بالنسبة لقطاع الإسكان والتعمير وإعداد التراب الوطني..

وكان علينا انتظار قدوم الحكومة رقم 31 التي ترأسها سعد الدين العثماني بتاريخ 5 أبريل 2017 ليتم تعيين فاطنة لكحيل، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، كاتبة للدولة مكلفة بالإسكان.

وبعد التعديل الحكومي الأول الذي عرفته حكومة سعد الدين العثماني بتاريخ 22 يناير 2018، وبعد إعفاء محمد نبيل بنعبد الله من مهامه وتعيين عبد الأحد فاسي فهري وزيرا جديدا لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، احتفظت فاطنة لكحيل بمنصب كاتبة الدولة مكلفة بالإسكان ضمن التشكيلة الحكومية المعدلة..

ومع التعديل الثاني الذي طرأ على حكومة سعد الدين العثماني بتاريخ 9 أكتوبر 2019، تم حذف منصب كاتبة الدولة الحركية فاطنة لكحيل من التشكيلة الحكومية الجديدة وهي التي عرفت مغادرة البيبساوي عبد الأحد فاسي فهري لمنصب الوزير، لتحل محله هذه المرة، الحركية نزهة بوشارب كوزيرة لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة..

وإذا عرفت حقبة “سبع السنين العجاف”، الحقبة الزمنية المعروفة بالسباعية السوداء، صراعا شادا بين نقابة “سماتشو” ومؤسسة الوزير، ولعل من بين الأسباب التي فاقمت هذا الصراع بين “سماتشو” والوزير المقال من مهامه، محمد نبيل بنعبد الله في بادئ الأمر، ثم وصيفه عبد الأحد فاسي فهري، هو إصرار نقابة “سماتشو” وإلحاحها على أن يتم تفويض اختصاصات قطاع الإسكان وسياسة المدينة لفائدة كاتبة الدولة فاطنة لكحيل.. وقد كانت هذه النقطة الأساسية من بين الحيثيات التي بنت عليها “سماتشو” قرارها الصوري، القاضي بإعفاء، الأمين العام لحزب “اللامعقول”، من منصبه كوزير لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، شهرا ونصف قبل أن يتم إعفاؤه علنيا ورسميا من طرف جلالة الملك. ومع قدوم عبد الأحد فاسي فهري على رأس الوزارة، ضاعفت “سماتشو” من ضغطها على هذا الأخير، لتفويض اختصاصات قطاع الإسكان وسياسة المدينة لفائدة كاتبة الدولة.. وقد تكون مثل هذه المواقف، هي ما يميز نقابة “سماتشو” عن باقي الشركاء الاجتماعيين الممثلين داخل القطاع، فهي تحارب الفساد والظلم والتسلط والحݣرة في وجه أي كان، وتؤازر المظلوم ولو كان عضوا في الحكومة غير أجير أو موظف في الإدارة، وهذا أمر يدخل معتاد في أدائها ومعتقداتها حيث سبق لها أن اتخذت ولوحدها موقفا أكثر جرأة عندما تم إعفاء الكاتب العام السابق محمد الحليمي من منصبه بناء على بلاغ من الديوان الملكي.. فإن جرت العادة أن تدافع النقابات على مصالح الموظفين والأجراء، وتقف ابتغاء من وراء ذلك، في وجه الوزراء وأرباب العمل، فإن “سماتشو” كانت قد أخذت من قضية كاتبة الدولة المكلفة بالإسكان، أهم النقط في ملفها المطلبي، ولم تتخلى عن هذه القضية رغم كل الضغوطات التي سبق أن مورست في حقها، بداية من طرف الوزير المقال بنعبد الله وانتهاء بعبد الأحد فاسي فهري، حيث أُرغم جل مسؤولي الوزارة الأعضاء في النقابة من الاستقالة من مكتبها الوطني في بادئ الأمر، ثم دُفع بالبعض لنسف النقابة من الداخل، وأعطيت وعود للبعض الآخر بتولي مناصب عليا إن هم قضوا على هذه النقابة المشاكسة، وأُعطيت للبعض الآخر امتيازات مع الاستفادة من تعويضات مناصب مسؤوليات موازية وصلت لدرجة رئيس قسم.. كل هذا من أجل القضاء على نقابة “سماتشو” وكسر شوكتها وإسكات صوتها وجف حبر قلمها الذي كان يسطع بكلمات الحق غير مبال بالضربات واللكمات التي كانت تتلقاها من الداخل ومن الخارج ومن جوانب كثيرة، ولم تتخل عن وقوفها إلى جانب كاتبة الدولة من أجل حصولها على اختصاصاتها كاملة غير ناقصة، رغم أنه طُلب منها من طرف الديوان، العدول عن هذا المطلب غير المقبول من طرف الوزير.. غير أن “سماتشو” لم يكن ليخطر على بالها يوما التخلي عن موقف مؤازرتها لكاتبة الدولة أو الابتعاد ضمنيا ورسميا عن هذا المطلب..

و”سماتشو” لم تكن لترضى عن قرار وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة رقم 1690.18 بتاريخ 8 ماي 2018 بتفويض بعض الاختصاصات إلى كاتبة الدولة لدى وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة المكلفة بالإسكان (ج.ر. 6685 ص. 4054)، حيث اعتبرته مجرد در الرماد في العيون، فالاختصاصات المفوضة على محدوديتها، كانت جوفاء لا يمكن التصرف فيها، ما عدا تفويض الاختصاص الخاص بالمجلس الوطني للإسكان الذي كان كاملا، هو لوحده ودون غيره..

فشتان ما بين هذا القرار، وقرار محمد اليازغي، الوزير المكلف بإعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان رقم 1509.98 بتاريخ 2 يوليو 1998 بتفويض بعض الاختصاصات إلى كاتب الدولة لدى الوزير المكلف بإعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان المكلف بالإسكان (محمد لمباركي)، حيث تم تفويض اختصاصات الوزير الراجعة إلى قطاع الإسكان، والموضوعة تحت سلطة الوزير، كاملة غير ناقصة لفائدة كاتب الدولة، ما عدا التوقيع بالعطف على القرارات التنظيمية للوزير الأول (ج.ر. 4610 ص. 2255)

ولربما اليوم، المناسبة مواتية للتذكير بحدث قد لا يعلمه الكثير، هو أنه بعد إقالة محمد نبيل بنعبد الله من منصبه كوزير لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة من طرف جلالة الملك، على إثر تقديم إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، تقريره حول تعثر مشروع “الحسيمة منارة المتوسط”، وحين أصدر رئيس الحكومة مرسومه رقم 2.17.682 بتاريخ 30 أكتوبر 2017، بتكليف بعض أعضاء الحكومة بالقيام مقام الأعضاء الذين تم إعفاؤهم بموجب الظهير الشريف رقم 1.17.72 الصادر في 25 أكتوبر 2017 بإعفاء بعض أعضاء الحكومة من مهامهم ابتداء من تاريخ 24 أكتوبر 2017 والذين كان من بينهم الوزير محمد نبيل بنعبد الله، وفي الوقت الذي كان يُنتظر فيه تكليف فاطنة لكحيل، كاتبة الدولة لدى وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة المكلفة بالإسكان بمهام النيابة عن القطاع برمته، تم تكليف مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي بالقيام مقام وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة؛ وما دامت كاتبة الدولة قد احتفظت بمنصبها ولم تطلها مقصلة الإعفاء، فإنه بمناسبة عقد الدورة 34 لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب بالرباط من 21 إلى 23 ديسمبر 2017، تحت شعار “التكافل الاجتماعي من أجل سكن لائق”، وعقد فعاليات الدورة الثانية للمنتدى الوزاري العربي للإسكان والتعمير بمساهمة من أكثر من 300 مشارك من 20 دولة، فإن نقابة “سماتشو” كانت قد عقدت اتصالا مع مولاي حفيظ العلمي، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بالنيابة، من أجل فسح المجال أمام فاطنة لكحيل، كاتبة الدولة المكلفة بالإسكان التي كانت عرضة للإقصاء، لإلقاء كلمة الافتتاح في المؤتمر، وترأس هذه التظاهرة العربية التي تتطرق إلى ملفات التنمية العمرانية (التعمير) إلى جانب الأوضاع السكنية في العالم العربي.. والوزير وعد بذلك، وذلك ما تم بالفعل، والسيدة كاتبة الدولة لا علم لها بهذا الأمر إلى حد الساعة..

وبناء على كل ما سبق ذكره، فإن كان من المقرر أن يتم تعيين كاتب للدولة على صعيد وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فإن “سماتشو” تخوفا منها من تكرار التجربة الأخيرة السابقة، والتي جمعت بين حزب التقدم والاشتراكية في شخص الوزير، وحزب الحركة الشعبية في شخص كاتبة للدولة، تتمنى أن يتم هذا التعيين من داخل نفس حزب الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، كما كان عليه الحال في حكومة التناوب، وحكومة عباس الفاسي السابقتين.. 

ولابد من التذكير كذلك، بأن العديد من التجارب السابقة بداية من تجربة حسن الزموري سنة 1972، ومرورا بتجارب عباس الفاسي الوزير، نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، وتجارب أخرى نذكر من بين آخرها تجربتي الوزير المنتدب أحمد توفيق حجيرة والوزيرة نزهة بوشارب، شغلت فيها الوزارة بقطاعاتها الثلاث مشتركة وموحدة، كان على رأسها وزيرا واحدا يسير جميع مرافقها الإدارية ومؤسساتها العمومية وشركاتها الخاصة ومؤسسات التكوين التابعة لها، وعرفت الوزارة خلال هذه الفترات نجاحا في الأداء وتنفيذا سارا للبرامج المسطرة..

وفي الأخير، إذا كان لابد من تعيين كاتب للدولة في القطاع، فإن نقابة “سماتشو” تتطلع لأن يتم اختيار الشخص من داخل القطاع لتولي منصب هذه المسؤولية، وعلى غرار حكومة التناوب وتجربتها الناجحة، فإن “سماتشو” تقترح أن يتم تعيين المهندسة المعمارية، والقيادية في حزب الأصالة والمعاصرة، “سلمى بن الزبير”، مديرة الهندسة المعمارية بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة لهذا المنصب.. 

والله المستعان وهو ولي التوفيق والسداد.. 

(*) الكاتب العام لنقابة سماتشو ورئيس اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب.