سلَّطَ مدير مكتب منظمة العفو الدولية بالمغرب الضوء على تأثير حالة الطوارئ على ممارسة الحقوق والحريات –خاصةً حرية التعبير والرأي– التي أفرزت تطورًا دستوريًا وحقوقيًا خلال السنوات الأخيرة – (دستور 2011).
وقالت مسؤولة الإعلام بفرع المنظمة الدولية بالمغرب أمينة أفينيدة، في مؤتمر صحافي بالرباط الأربعاء، “استمر التضييق على حرية التعبير، وكان هناك تحقيق مع بعض الصحافيين والنشطاء وملاحقتهم قضائيا” خلال العام الماضي.
وأوردت حالات سبعة نشطاء وصحافيين “على الأقل تعرضوا للاعتقال، وتمت محاكمتهم بتهم تتعلق بحرية التعبير”.
وذكرت منهم المؤرخ والناشط الحقوقي معطي منجب الملاحق منذ العام 2015 في قضية “مس بأمن الدولة ونصب”، وقضية “غسل أموال” منذ أواخر العام 2020، بالإضافة إلى الصحافي عمر الراضي الذي أكد القضاء أمام الاستئناف في آذار/مارس إدانته بالسجن ستة أعوام، بتهمتي “تجسس” و”اعتداء جنسي”.
وكانت محاكمات الراضي ومنجب ومثلهما الصحافي سليمان الريسوني قد أثارت انتقادات منظمات حقوقية محلية ودولية، لما اعتبرته غيابا لشروط المحاكمة العادلة، واستهدافا للمتهمين بسبب آرائهم. وقد أكدت محكمة الاستئناف في شباط/فبراير إدانة الريسوني بالسجن خمسة أعوام، في قضية “اعتداء جنسي”.
وأشارت المنظمة في ندوة صحفية عقدتها، اليوم الأربعاء، لعرض مضامين تقريرها السنوي، أن فرض جواز التلقيح أدى إلى اندلاع مظاهرات مناهضة له قوبلت بالأسف باستخدام القوة مرة واحدة على الأقل.
وانتقدت المنظمة في تقريرها الاحتجاز التعسفي لعدد من المهاجرين وطالبي اللجوء، ومداهمة مكان إقامتهم وطردهم.
وأكدت المنظمة على ضرورة الاستماع إلى مختلف الأصوات مهما كانت حدتها وقوتها، مشددة على أن المغرب سيكون قويا حينما يتسع لكل أبنائه بدون تمييز أو تهميش وقهر، وحينما يعطي الأولوية للمساءلة وعدم الإفلات من العقاب كلما حصلت انتهاكات لحقوق الإنسان أو فساد.
وأوضحت المنظمة أنه كان هناك قهر للمعارضة، حيث تعرض سبعة أشخاص على الأقل للاعتقال وتمت محاكمتهم بتهم تتعلق بحرية التعبير، مشيرة أنه تم الحكم على الصحفي المستقل عمر الراضي بست سنوات من السجن النافذ بعد محاكمة غابت فيها معايير المحاكمة العادلة، ومنع المؤرخ المعطي منجب للسفر للخارج لتلقي العلاج ورؤية أسرته.
وشددت المنظمة في تقريرها على أن التضييق على حرية التعبير استمر بالمغرب، حيث كانت هناك تحقيقات مع بعض الصحفيين والنشطاء وملاحقتهم قضائيا، بما في ذلك الحكم على سيدة بالسجن بعد نشرها لفيديو تتهم فيها السلطات بمراكش بالتستر على جرائم الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.
التأطير القانوني لحالة الطوارئ لكوفيد-19 في المغرب
تؤطر أغلب دساتير بلدان العالم حالات الاستثناء والطوارئ بشكل تمنح فيه صلاحيات أوسع للسلطات العمومية من أجل تسيير الأوضاع خلال تلك المرحلة. وارتباطًا بالأزمة الوبائية الصحية التي أصابت العالم –المتمثلة في كوفيد-19– فإن غالبية الدول لم تفرق في أنظمتها القانونية بين حالة الطوارئ وحالة الطوارئ الصحية، باعتبار الأخيرة نادرة الحدوث، لذلك هي غائبة عن هذه الأنظمة، في مقابل تواجد التأطير القانوني والدستوري لحالة الطوارئ، ونظرًا لوجود دول اعتمدت حالة الطوارئ الصحية، فهذا يجعلنا نتحدث عن حالة الطوارئ وحالة الطوارئ الصحية كحالة واحدة، لكون الأول يشمل ويتضمن الثاني.
في الحالة المغربية، حاول النظام الاستجابة للمعايير الدولية المنصوص عليها في القانون الدولي، حيث نص الدستور المغربي لسنة 2011 على حالة الاستثناء والطوارئ في الفصلين التاسع والخمسين والرابع والسبعين على التوالي، ليعطي صلاحيات واسعة للملك في اتخاذ مختلف الإجراءات والتدابير التي تساير المرحلة، بما فيها تعطيل ممارسة الحقوق والحريات، وبتنصيصه على معيار الظروف الاستثنائية يكون الدستور المغربي قد التزم بالمعيار الأساسي المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، خاصةً فيما يتعلق بتهديد حوزة التراب الوطني، أو وقوع أحداث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.
وتتسم الأسباب الموجبة لإعلان حالة الاستثناء حسب الدستور بالعمومية وعدم الوضوح، حيث جاءت صيغتها فضفاضة ولا تتضمن تحديد دقيق، ما يترك تأويل أحكام الدستور للسلطة الحاكمة، التي قد تعتبر أي سبب هو مهدد لحوزة التراب الوطني، أو أنها تعرقل سير المؤسسات الدستورية. وبالتالي يبقى التأويل مفتوحًا على الأحداث التي ترى السلطة أنها موجبة لإعلان حالة الاستثناء، والتي قد تكون في بعض الأحوال لا تشكل تهديدًا حقيقيًا لحوزة التراب الوطني أو معرقلة لسير المؤسسات الدستورية.
لكن من المفترض أن تكون الأسباب الموجبة للظروف الطارئة والاستثنائية أكثر تحديدًا وتدقيقًا، لكون بعض الظروف لا تستلزم أن تقوم الدولة بتعطيل ممارسة الحقوق والحريات وأن تعلن حالة الاستثناء، والتي قد تكون مثلًا ناتجة عن حالة توتر مع النظام الحاكم ولكنها لا تهدد حياة الأمة بأكملها أو لا تمثل خطرًا وشيكًا، و تطرقت بعض الدساتير كالدستور الفرنسي لهذه المسألة وأكدت على أن يكون الخطر وشيكًا ومشترطًا في الأحداث التي من شأنها تعطيل أو توقف السير العادي للمؤسسات الدستورية.
وسبق للنظام المغربي أن أعلن حالة الاستثناء والطوارئ لكنها كانت في مجملها بسبب تهديد قائم على النظام الحاكم، ما جعل الدساتير المغربية تسعى إلى تكريس سلطة مطلقة في تحديد الأسباب الموجبة لإعلان حالة الاستثناء في البلاد، وأُثير جدل حول هذه المسألة بعدما قام الملك الحسن الثاني بإعلان حالة الاستثناء سنة 1965، ما أكد طبيعة توجه الدساتير المغربية.
كل هذا جعل المملكة المغربية في حالة فراغ قانوني ودستوري عند إصابتها بالأزمة الصحية العالمية لفيروس كوفيد-19، الشيء الذي جعل الحكومة تستدرك الأمر من خلال التنصيص على مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا. حيث استخدمت الحكومة المغربية الفصل واحد وثمانون من الدستور الذي يسمح لها بإصدار مراسيم قوانين خلال الفترة الفاصلة بين دورات البرلمان.
وأعلن المرسومان –المتكونان من سبعة مواد في الأول وخمسة في الثاني– أن المغرب في حالة طوارئ صحية بموجب المادة الأولى من مرسوم القانون رقم 2.20.292، كما أكد هذا الأخير على أن الحكومة لها حق اتخاذ كل التدابير التشريعية والتنظيمية والإدارية وغيرها خلال فترة الطوارئ، وأن لها صلاحية تعبئة جميع الوسائل الممكنة والتدابير اللازمة للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية لفيروس كوفيد-19. بينما جاء في المادة الرابعة من المرسوم نفسه، أن كل شخص يخالف الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية فإنه سيعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين 300 و1300 درهم مغربي (28 و121 يورو)، بالإضافة إلى تطبيق قواعد القانون الجنائي في حالة الحاجة لها. وتضيف المادة أنه يعاقب كل فرد من المواطنين بالعقوبة نفسها إذا قام بعرقلة أو التشويش على عمل السلطات العمومية في هذا الشأن بأي وسيلة كانت.
قامت الحكومة المغربية في المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإجراءات الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بشرح ماهية هذه الإجراءات وتحديد مدتها –حددتها في ثلاثين يومًا– والتي نصت بشكل عام على نقل كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والإدارية لصالح وزارة الداخلية ولرجال السلطة من ولاة وعمال وقياد التابعين لها والمتواجدين بالجهات والأقاليم والجماعات الترابية، ومكنهم هذا المرسوم من اتخاذ كل التدابير وإصدار أي قرار يستلزمه وضع حالة الطوارئ الصحية، وذلك بشكل يعطي لرجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية صلاحية اتخاذ هذه التدابير بناء على قراءتهم الشخصية للوضع الوبائي بالمناطق الجغرافية المتواجدين فيها
وكانت الإجراءات المتخذة تتعلق بالتنقل بشكل عام، حيث تم منع الحق في التجول، وسُمح به في حالات قليلة وبواسطة رخصة استثنائية للتنقل تمنح من طرف المسئولين الترابيين التابعين لوزارة الداخلية.
لم تكتف الحكومة المغربية بالمرسومين السابقين، حيث استمرت في تمديد حالة الطوارئ الصحية بتشريع مراسيم جديدة دون اللجوء إلى البرلمان صاحب الاختصاص الأصلي، وجاءت بمرسوم رقم 2.20.330 بتاريخ التاسع من أبريل، ومرسوم رقم 2.20.371 بتاريخ التاسع عشر من مايو، ومرسوم رقم 2.20.406 بتاريخ التاسع من يونيو، وأيضًا مرسوم رقم 2.20.503 بتاريخ الثامن من أغسطس2020.
تشريع كل تلك المراسيم أثار نقاشًا مستفيضًا في الأوساط الأكاديمية والحزبية والسياسية داخل المغرب، باعتبار أن الحكومة لم تجد سندًا دستوريًا مباشرًا لهذه المراسيم، واعتمدت على الفصول الواحد وعشرين، والرابع والعشرين، والواحد وثمانين لذلك، وما فاقم من حدة النقاش هو عدم الاعتماد على البرلمان، أو استحضاره في المراسيم الأخرى؛ إلا أنها تبقى حلولًا تشريعية للتعامل مع الفراغ القانوني المتعلق بحالة الطوارئ. نسعى في هذه الورقة البحثية إلى التركيز على الحقوق والحريات خلال هذه الفترة، دون الدخول في النقاشات القانونية والدستورية المتعلقة بالإطار القانوني المنظم لحالة الطوارئ بالمغرب.