إن هذه الوزارة ظلت قائمة في المشهد الحكومي المغربي، منذ عدة عقود ولكن دون أن تضيف للواقع الثقافي، ما يبرر وجودها، واستهلاكها لجزء من الميزانية العامة. إننا مازالتا في الثقافة نستهلك أضعاف أضعاف ما نتتج.
الرباط – كشف المرصد المغربي للثقافة في بلاغ له أن الوزارة منذ تولي “الوزير المهدي بنسعيد”، قدّمت الدعم لـ 141 كتابا فقط، في تراجع كبير مقارنة بالسنوات الماضية، وطالب بالكشف عن المعايير المعتمدة في تقديم الدعم.
وأشار المرصد إلى أن وزارة الثقافة دعمت في سنة 2016من مجموع الكتب المقدمة للدعم، 459 كتابا، وفي 2018 حصل على الدعم 296 كتابا، وسنة 2019 تم دعم 233 كتابا.
وسجل المرصد أن وزارة الثقافة إلى اليوم لم تقرر ولم تكلف نفسها تقديم توضيح أو حتى الإعلان عن نتائج الدعم والدعاية لها في الصفحات الاليكترونية للأخبار أو في الجرائد اليومية.
وأكد المرصد أن دعم الكتاب والمجلات والجمعيات الثقافية حق مشروع وليس “عصا وجزرة” في يد الوزير، مطالبة بنشر لائحة بأسماء اللجنة المكلفة بدراسة مشاريع دعم الكتاب، وكذا نشر المعايير المعتمدة لتحديد الكتاب المستفيد من الدعم.
كما طالب بنشر لائحة بمجموع الكتب المقدمة للدعم، وإيفاد الجمعيات التي لم تستفد الكتب التي قدمتها للدعم بتقرير يوضح أسباب عدم استفادة كل كتاب من الدعم، داعيا كافة المثقفين والجمعيات الثقافية ودور النشر الصغيرة إلى تشكيل جبهة لإسقاط الحيف والريع والارتجالية والقتل الثقافي .
أوكلت الأمم الراقية المتحضرة لهذه الوزارة (وزارة الثقافة) مسؤوليات جسام، تتمثل في إعطاء الثقافة الوطنية، موقعها الريادي للدفاع عن هويتها، بالاستثمار المتواصل في الصناعة الثقافية والاقتصاد الثقافي والتنمية الثقافية، وبكل الوسائل والإمكانات التي من شأنها إعطاء هذه ‘الهوية’ موقعها على الخريطة البشرية«ولاشك أن المغرب، وهو يقرر في سبعينيات القرن الماضي، إنشاء وزارة للشؤون للثقافية، كان يدرك ما للثقافة من أدوار في بنائه الوطني وفي صون هويته، وكان يأمل أن تلعب هذه الوزارة أدوارها في تدبير الشأن الثقافي، على قواعد تصون أخلاق ومبادئ وقيم النخب الثقافية المغربية التي دافعت باستمرار عن الثراء والتنوع الثقافيين للمغرب المسلم/ العربي/ الأمازيغي/ اليهودي (فقد حرمت وقضت الوزارة على أول مجلة تعني بالموروث الثقافي للمغربة اليهودي المسمى mimona.org ، وعن ربط هذا الثراء بالحرية والفضيلة.
للحدّ من التعيينات خارج القانون..نقابة: تطالب بــ”إحداث مؤسسة مستقلة تتولى التعيين في المناصب العليا” بالمغرب
الثقافة، كانت وستظل المقياس الحضاري الذي تقاس به عظمة الأمم والشعوب، فهي العامل الأساس الذي يساهم في تطوير المجتمعات وتحديثها. وهي النبع الأصيل لتدفق كل قوى فاعلة يملكها المجتمع، ليتحرك ويحقق أهدافه وغاياته. وهي أساس التعايش بين المجتمعات الموصلة بين أفكار أفرادها ووجدانهم لتحقيق الأمن والسلام والتقدم الحضاري.
ما نزال بدون مؤسسات ثقافية فعلية ترعى الثقافة المثقفين. ما زلنا بدون مؤسسات ترعى الفعل الثقافي، وتؤهله في البنيات المجتمعة… وعلى الجانب الآخر، مازالت أروقة هذه الوزارة/ وزارة الثقافة، تساكن الأموات، وتبلور أفكارهم ورؤاهم على منشوراتها ومجلاتها وإصداراتها العجيبة، دون أن تنتبه إلى الإنتاج الثقافي ‘الحي’ الذي من شأنه تغذية التطلعات المغربية، أو يرسم أمامها لوحة الثقافة التي يحلم المغاربة بها، وهو ما يرسخ سيادة مناخ الجمود الفكري والتأخر الثقافي.والحقيقة المؤلمة، أن موضوع الثقافة، ظل غائبا عن التفكير، وعن السياسات الحكومية منذ حصول المغرب على استقلاله (سنة 1955)، فكل الإنجازات الثقافية التي تم تحقيقها على أرض الواقع، وهي متواضعة وهشة، تمت بمجهود الأفراد والباحثين والكتاب والفنانين، وبعض جمعيات المجتمع المدني، حسب إمكاناتهم الذاتية، وتضحياتهم الخاصة، وهم بذلك حافظوا على بعض ملامح الثقافة المغربية، وعلى بعض ملامح تراثها ومكوناتها.وأكيد، أن غياب سياسة ثقافية بالمشهد الحكومي، طيلة العقود الخمسة الماضية، لم يكن غيابا عشوائيا، بل حكمته طوال هذا التاريخ، خلفية إديولوجية تعادي الثقافة، وتجعل منها عدوا للسلطة.ويمكن قياس السياسة الثقافية، بمغرب الألفية الثالثة، أي بعد نصف قرن من حصول المغرب على استقلاله، بما تحمله التقارير الدولية الرسمية، عن القراءة والكتابة والنشر، وهي الأدوات الأكثر تعبيرا عن الثقافة والفكر، هنا وفي كل أنحاء الدنيا.تقول إحصائيات اليونسكو، وإحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافية والعلوم/ ايسيسكو، أن معدل القراءة في مغرب الألفية الثالثة، لا يتجاوز ست دقائق في السنة للفرد الواحد، وأن معدل نشر الكتب، لا يصل إلى كتاب واحد لكل ربع مليون مواطن.
وتقول هذه التقارير أيضا، أن الوزارة المعنية لم تقدم أي خدمات ثقافية من شأنها بلورة الوعي الوطني بالتراث والإبداع، ولم تساهم في دعم الكتاب أو المسرح أو الموسيقى أو التشكيل أو الإبداع العلمي، وفق منظور قريب أو متوسط أو بعيد المدى، من شأنه تبني خطط تنموية ثقافية قادرة على الاستجابة إلى تطلعات الشعب المغربي ونخبه الثقافية، وهو ما يجعل السؤال ملحا: ما هو الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة في التحضر والتنمية، وما علاقتها بالأمن الثقافي المغربي؟إن الأمن الثقافي، هو الحفاظ على’الهوية الوطنية بشتى الوسائل الثقافية والتربوية لتنمية هذه الهوية، وتحسيس المواطنين بها، وجعلهم يؤمنون بأنها القاعدة الأساسية لبناء استقلالهم، وتحصين شخصيتهم من الاغتراب والاستلاب والتفكك والتمزق.
فهل يمكن التفكير في الأمن الثقافي، دون التفكير في صياغة استراتيجية متكاملة لنشر الكتاب، وإشاعة اللوحة التشكيلية والقطعة الموسيقية والشريط السينمائي، هل يمكن التفكير في هذه الإستراتيجية دون صياغة سياسة تعليمية متوازنة/ صياغة فلسفة متوازنة للتعليم من الروض إلى الجامعة..؟ وهل يمكن تحقيق الأمن الثقافي خارج الأمن السياسي/ الاجتماعي/ الاقتصادي؟ -3-بأسف شديد نقولها، إن وزارة الثقافة المغربية، شملها ما شمل العديد من وزارات الحكومات المغربية المتعاقبة على عهد الاستقلال: الفراغ/ الهشاشة/ الفساد/ الافتقار إلى إستراتيجية أو رؤية واضحة في المجال الثقافي…لقد تعاقب على هذه الوزارة، خلال هذه الفترة، من التاريخ، العديد من الأسماء ‘الغليظة’، الوازنة، الفاعلة، بعضها يعرف كيف يتحدث عن الثقافة، وفي العمق لا علاقة له بتدبير شؤونها، وبعضها الآخر ركب وزارتها من محطات بعيدة، وهو ما راكم فجوات وثقوب على المشهد الثقافي المغربي/ بل وهو ما طبع هذا المشهد بسلوكات التحقير والتهميش أحيانا، وبالزبونية والإقصاء والمحسوبية أحيانا أخرى.
في مشهدنا الثقافي الحزين، الكتاب واللوحة والقطعة الموسيقية والمسرحية، أصبحت بسبب السياسات الثقافية الفاشلة، أدوات معرفية يتيمة، تشبه إلى حد بعيد الأطفال المتخلى عنهم، تتقاذفهم الأهواء، كما أصبح المبدعون والكتاب والباحثون عندنا يعملون بلا هدف، بلا معنى، ليس لكتاباتهم وإبداعاتهم وأعمالهم أي صدى على أرض الواقع.وأكدت للسيد الوزير في رسالتي: أن النخبة الثقافية في بلادنا، انتظرت طويلا من هذه الوزارة، وضع سياسة واضحة لدعم إنتاج الكتاب وتداوله/ دعم نشره بتغطية حصة هامة من تكلفته من أجل تخفيض أثمنته/ باقتناء حصة هامة منه لصالح المكتبات الوطنية ومكتبات المجالس البلدية والقروية، والمدارس الابتدائية والثانويات والمعاهد الجامعية، لتعمم القراءة، وتعم فائدة النشر، ويصبح للكتاب دورا فاعلا في التنمية، وفي الأمن الثقافي، كما انتظرت هذه النخبة دعم اللوحة والمسرحية والقطعة الموسيقية، والشريط السينمائي، من أجل انتشارها وتداولها، على المشهد الثقافي.