منيب: مخطط “المغرب الأخضر” ساهم في استنزاف الموارد المائية بتشجيعه زراعات مستنزفة للمياه

0
400

بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إطلاق مخطط المغرب الأخضر، أثير الجدل حول نتائجه بالتزامن مع ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية من خضر ولحوم ودواجن وبيض في الأشهر الأخيرة.

ففي الوقت الذي تقول فيه حكومة الملياردير عزيز أخنوش إن الإنتاج الزراعي ارتفع خلال العقد الماضي، يقول منتقدون إن المخطط فشل في تحقيق الأمن الغذائي لتهميشه حاجات السوق الداخلية، وتركيزه على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية، في حين تتهمه نبيلة منيب البرلمانية عن الحزب “الاشتراكي الموحد”(معارضة) باستنزاف الموارد المائية لتشجيعه زراعات مستنزفة للمياه مثل الأفوكادو والبطيخ وغيرهما، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه، ويعيش عدد من القرى في الصيف على وقع أزمات عطش.

وأشارت زعيمة اليسار المغربي في مداخلة لها بجلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، أمس الاثنين، أن تراجع التساقطات المطرية والنقص الحاد في الفرشة المائية، يتطلب استراتيجية جديدة لتدبير ندرة المياه.

وأكدت أن الوضعية المائية الصعبة التي يعشبها المغرب، وتتجلى مظاهرها في النقص الحاد في مخزون السدود والمنابع الطبيعية، تتطلب قطائع واضحة في مجال السياسات العمومية المرتبطة بالماء.

وسجلت أن المغرب الأخضر الذي انطلق في 2008 ساهم بشكل كبير في استفحال أزمة الماء بسبب نهب المياه الجوفية، وتركيز الإنتاج الفلاحي على التصدير.

وتساءلت منيب هل الشركات الجهوية متعددة الاختصاصات تشكل الحل خاصة بتسببها في اندلاع احتجاجات ببعض المناطق مصل فكيك، ومن المحتمل أن تنتقل شرارة الاحتجاج إلى مناطق أخرى.

ودعت إلى مراجعة سياسة السدود المكلفة وتوجيه الميزانية لمحطات تحلية مياه البحر، فإسبانيا على سبيل المثال تتوفر على 700 محطة من هذا النوع، أما المغرب فيتوفر على تسع محطات و 12 محطة في طور الإنجاز.

وشددت على ضرورة أن تسترجع الدولة دورها في تدبير الماء وضمان الحق في الماء للجميع.

شهر مايو الماضي، دافع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش عن مخطط المغرب الأخضر أمام البرلمانيين أثناء حضوره مؤخرا جلسة المساءلة الشهرية حول السيادة الغذائية.

ورأى أخنوش -الذي كان وزيرا للفلاحة 14 عاما، وأشرف على وضع وتنفيذ المخطط- أن تلك الاتهامات بعيدة عن الحقيقة بالنظر للنتائج الإيجابية التي تحققت في القطاع الزراعي خلال العشرية الماضية.

وحسب المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة أمام نواب البرلمان، فإن المخطط الأخضر أسهم في مضاعفة الناتج الداخلي الخام الزراعي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم (نحو 13 مليار دولار) عام 2021، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق أكثر من 50 مليون يوم عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي، كما أسهم في تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالقرى بنسبة 66%.

وحسب المصدر نفسه، بلغت نسبة تغطية الحاجات الاستهلاكية الأساسية من اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والخضر والفواكه والحليب خلال الفترة بين 2008 و2020 ما بين 98% و100%، وأثمرت المجهودات المبذولة تقليص عجز الميزان التجاري الفلاحي، حيث انتقلت تغطية الواردات بالصادرات الفلاحية من 49% عام 2008، إلى 65% عام 2020.

في المقابل، يرى منتقدو مخطط المغرب الأخضر -خاصة الفرق البرلمانية المعارضة- أن المخطط ركز على نمط فلاحي موجه للتصدير على حساب النمط الموجه للاستهلاك، وقلص الزراعات المعيشية؛ مما أصبح مهددا للأمن الغذائي.

وأضافوا أن الإستراتيجيات الفلاحية المعمول بها منذ سنوات أسهمت في تعميق أزمة المياه، مستنكرين تشجيع زراعات مستنزفة للمياه في حين تعيش المملكة حالة إجهاد مائي مع توالي سنوات الجفاف.

وكانت جمعيات بيئية حذرت مرارا من هذه الزراعات التي حولت مدنا وقرى -خاصة في الجنوب الشرقي- إلى مناطق عطشى.

وحسب بيانات وزارة الفلاحة المغربية، فقد تجاوزت صادرات المنتجات الغذائية الزراعية والبحرية -لأول مرة- عتبة 80 مليار درهم عام 2022 (نحو 8 مليارات دولار)، وهو ما يمثل زيادة بنحو 20% مقارنة بعام 2021.

وبلغ حجم صادرات الفواكه والخضر الطازجة 2.3 مليون طن خلال عام 2022 بمعدل نمو سنوي بلغ 10%، وسجلت صادرات الفواكه الحمراء نموا بنسبة 20%، إذ بلغ حجمها 132 ألف طن.

غير أن الأزرق يلفت إلى أن المزارعين الكبار أخلوا بالتوازنات المعمول بها منذ سنوات مع ظهور وجهات تصديرية جديدة.

وأوضح المتحدث أن الحكومة كانت توافقت مع كبار المزارعين على أساس تصدير جزء من المنتجات نحو أوروبا وإبقاء جزء منها في السوق الداخلية لتفادي أي نقص، إلا أن ظهور وجهات تصديرية جديدة، خاصة في القارة الأفريقية دفع كبار المزارعين إلى تصدير منتجاتهم إليها بدل بيعها في السوق الداخلية بحثا عن ربح أكبر.

ويضيف الأزرق أن الأهداف التي وضعها المخطط الأخضر بخصوص تحسين أوضاع المزارعين الصغار ورفع قدرتهم الشرائية وإنشاء طبقة فلاحية متوسطة لم تتحقق، بل ظلت الاستفادة محصورة في كبار الفلاحين؛ مما يدعو -حسب قوله- إلى مراجعة توجهات هذا المخطط.

وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري مخططا جديدا أطلقت عليه “الجيل الأخضر”، وهو -كما تقول- ثمرة مجموعة مكتسبات مخطط المغرب الأخضر، ويهدف في أفق 2030 إلى تقوية الطبقة المتوسطة الفلاحية واستدامة التنمية الفلاحية ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي والصادرات.

ويرى محمد جدري أن الجيل الأخضر يؤكد أهمية الرأسمال البشري وضرورة استخدام البحث العلمي من أجل تطوير الزراعات الوطنية، بالإضافة إلى الابتعاد عن الزراعات المستنزفة لمياه السقي كالبطيخ الأحمر والفراولة والأفوكادو.

ويشير إلى أن الرهان اليوم ينبغي أن يكون على العودة إلى الزراعات المعيشية، وزيادة المساحات المزروعة بالحبوب والشعير والذرة والشمندر وقصب السكر والنباتات الزيتية التي تعد من المواد الأساسية بالنسبة للمستهلك المحلي.

في ظل التغيرات المناخية، وتوالي سنوات الجفاف؛ يطل السؤال حول اعتماد الاقتصاد المغربي على الزراعة، وإن كان هذا التوجه إستراتيجيا مع حالة الإجهاد المائي في المملكة والتراجع الحاد في مواردها المائية؟

ويرى الأزرق أن الارتهان إلى القطاع الفلاحي هو ارتهان إلى قطاع هش نسبيا لارتباطه بالسياقات الدولية وأيضا بالاضطرابات المناخية، ويلفت إلى أن تعاقب سنوات الجفاف أثر في السنتين الأخيرتين بشكل كبير على نسب النمو، وأثر أيضا على عدد من القطاعات المرتبطة بالفلاحة.

وقال إن المغرب واع بهذا الوضع، لذلك بدأ محاولات حثيثة منذ عقدين وأصبح اليوم أكثر تسارعا من أجل رفع إنتاجية عدد من القطاعات الصناعية، مثل صناعة السيارات والطائرات والتكنولوجيا والانفتاح على صناعات أخرى مثل الصناعات الدوائية والدفاعية، ورغم هذا التوجه لا يخفي المتحدث أن القطاع الفلاحي ما زال عصب الاقتصاد المغربي.

أما بالنسبة لمحمد جدري، فإن الاستمرار في الاستثمار في القطاع الزراعي ضرورة ملحة بالنسبة للمغرب، لأنه يجب تحقيق اكتفاء ذاتي من اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والخضر والفواكه، بغض النظر عن التحولات في الأسواق الدولية، غير أنه يرى ضرورة القطيعة مع الماضي، والعمل على توفير صناعة الأسمدة والأعلاف محليا، ومواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة من أجل خفض تكلفة الطاقة بالنسبة للفلاحين، وحل معضلة الإجهاد المائي من خلال ربط الأحواض المائية، ومعالجة المياه العادمة، وإنشاء مزيد من محطات تحلية مياه البحر، وبناء سدود صغيرة ومتوسطة.