منيب: “مشروع مالية 2024 جمع الفتات من جيوب الموظفين وصغار المواطنين من أجل تمويل مشروع الحماية الاجتماعية”

0
442

أجمعت الأصوات الحرة و أراء الفاعلين الحقوقيين بالمغرب على أن تفشي الفساد والمستويات المخيفة التي بلغها، إلى جانب تردي الوضع المعيشي، تسبب في فقدان الامل في المستقبل، مطالبين من الجميع التعبئة والتجند من أجل حماية ما تبقى من طموحات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة.

و عبرت زعيمة اليسار المغربي, نبيلة منيب البرلمانية عن الحزب “الاشتراكي الموحد”(معارضة) , عن قلقها من خطورة الوضع في ظل تفشي الفساد في المغرب وبلوغه مستويات مخيفة تسببت في “فقدان الأمل في المستقبل وغذت الشعور بالإحباط والظلم”.

وقالت النائبة اليسارية ، إن الحكومة لا تملك الإرادة السياسية ولا الإمكانيات المالية لتحقيق الدولة الاجتماعية.

وأكدت منيب في فيديو منشور على صفحتها الرسمية بموقع فايسبوك، أن مشروع مالية 2024 في الأصل جمع الفتات من جيوب الموظفين والموظفات وصغار المواطنين من أجل تمويل مشروع الحماية الاجتماعية.

واستغربت من عدم تطبيق ضريبة على الثروة في ظل الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والمناخية الصعبة التي تمر منها البلاد، وضريبة تصاعدية على الدخل كي يكون هناك توزيع عادل للثروة، مشيرة أن منظرين كبار رغم أنهم ليبارليين يطالبون بتطبيق التوجه اليساري.

وتحدثت منيب عن تراجع الاقتصاد المغربي، إضافة إلى معاناة المقاولات الصغيرة والمتوسطة من التداعيات المستمرة لجائحة كورونا، والتي تسببت في إفلاس الكثير منها، في حين أن المقاولات الكبرى لم تتضرر لأن الدولة هرعت إلى مساعدتها.

وسلطت الضوء على اتساع دائرة الفقر في المغرب، وارتفاع الفوارق الاجتماعية والمجالية بشهادة المؤسسات الرسمية مثل مندوبية التخطيط، والبطالة التي قفزت إلى عناء السماء، لافتة إلى أنه مقابل ذلك فإن الحكومة تنهج سياسة “الترقيع” وليست هناك أي قوة تريد إحداث قطائع.

وأكدت بأن المغرب بحاجة إلى تعاقد جديد ما بين الدولة والمجتمع، يبدأ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلو الحراك الشعبي بالريف، والصحفيون والمدونون، وخلق نوع من الثقة والانفتاح السياسي، معتبرة أنه من شأن هذه الخطوات تقوية الدولة.

إن الدولة تمارس دورًا أساسيًا في تخطيط التنمية وتوجيه دفتها؛ إذ يشكل معطى رعاية الدولة للتنمية خلفية ثابتة في بلورة القرار التنموي، انطلاقًا من تجارب خارجية صنعت فيها الدولة طفرات تنموية. إلا أن قراءة الدولة المغربية لنماذج النجاح التي حققت طفرات تنموية حقيقية تبدو غير دقيقة، لأنها تريد مضاهاتها في الإنجازات، حينما تعبر عن طموحها في الانضمام لمجموعة الاقتصادات الصاعدة (emerging economies)، بينما تحجم، في الوقت ذاته، عن الاسترشاد باقتفاء أثر الاستراتيجيات التنموية التي قادت تلك البلدان لتحقيق مستويات أعلى من التنمية.

ربما تكون تجارب الدول الصاعدة تعود لنقطة زمنية مختلفة عن تلك التي بدأت منها تجربة المغرب، فحتى إذا تمكنت دولًا بينها من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل أنظمة سلطوية مغلقة، إلا أنها تمكنت أيضًا من تحقيق الانفتاح السياسي في المراحل اللاحقة. في المقابل فإن المغرب الذي يخوض العمليتين معا بشكل متفاوت يبدو عاجزًا عن تقديم مسار جديد قابل للنجاح؛ فمن جانب لا تزال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإصلاح السياسي جبهات مفتوحة، ومن جانب أخر، هناك غياب أي أفق لانتهاء المرحلة الانتقالية، بما قد يحد من تيسير وتسريع العمليات التي تقود لتحقيق التنمية الفعلية.

في ضوء ما سبق، تظهر إشكالية تناقض وتأزم المسيرة التنموية للدولة المغربية؛ إذ أن الدولة تفرض إيقاعها فيما يخص تنمية الاقتصاد والمجتمع، بينما تستعصي هي ذاتها على حركة التنمية، وهو ما يجعل الممارسة التنموية مجتزأة ومحصورة في البعدين الاقتصادي والاجتماعي في مقابل إهمال البعد السياسي، ويرتب بالتالي لتردّي المردود التنموي.

أثناء العقود التي تلت الاستقلال الوطني عن فرنسا في عام 1956، ركّزت الحكومة المغربية على التنمية الاقتصادية معتقدةً أن النمو الاقتصادي من شأنه تعزيز التحسينات في المؤشرات الاجتماعية، بما في ذلك الفقر والتعليم ومحو الأمية والرعاية الصحية. وبينما اعتبر صندوق النقد الدولي أن المغرب قصة نجاح بسبب برامج التكيف الهيكلي في الثمانينيات، فقد انتقد البنك الدولي ووكالات التنمية الدولية الأخرى البلاد لأنها لم تكن أكثر اجتهادًا في معالجة التنمية الاجتماعية.

 إذ بدا عمق التنمية كممارسة غائبًا عن ذهن الحكومات المغربية. التكلفة الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية التي خضع لها المغرب وقتئذ، والتي روجت للأدوات النيوليبرالية من تحرير وإلغاء للقيود، ستشكل السياق التاريخي لبداية التفكير في البُعد الاجتماعي للتنمية.

وبخلاف أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني، التي شهدت بداية الاحتكاك بمفهوم التنمية، فإن هذا الأخير لم يُعرف على نحو مكثف سوى مع بزوغ ما سُمي بـالعهد الجديد، الذي وسم صعود الملك محمد السادس إلى الحكم، إذ تم إدراج المفهوم في الخطب الملكية بشكل يعكس شغف عاهل البلاد بالتنمية البشرية، وأيضًا باعتباره بداية الشروع في إدماج المفهوم ضمن الخطط والبرامج الوطنية والمحلية. ويعد برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي انطلق في سنة 2005 أبرز برنامج تنموي في عهده.

ورغم المرجعية الوطنية للمبادرة، التي تمثلت في خلاصات وتوصيات ما عُرف بتقرير الخمسينية حول تطور التنمية البشرية بالمغرب على مدى خمسين سنة من الاستقلال وصولًا لسنة 2005، والإمكانات المتوافرة من أجل تحقيق التحولات الحاسمة خلال العشرين سنة التالية أي حتى 2025؛ فقد حافظت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على الروح النيوليبرالية ورؤية الدولة الحداثية، بأن دفعت المواطنين لتحمل مسئولية تحسين مستوى عيشهم بدلًا من الاستمرار في الاعتماد على الدولة. وبحسب المبادرة «فبينما تقوم الدولة بتوفير الأدوات والتدريب، يتعين على الأفراد اتخاذ خيارات جيدة بأنفسهم وأن يقرروا بشكل مستقل الاستفادة من الفرص لإجراء تحسينات على حياتهم والتي تؤثر في النهاية على الأمة بطريقة إيجابية ومثمرة. فللمواطنين الحق في اتخاذ قراراتهم بشكل مستقل، ولكن من المتوقع أن تندرج قراراتهم ضمن أهداف الدولة في التنمية وخلق مواطنين حديثين».

الإصلاحات التي تقدمت أو واكبت المبادرة الوطنية للتنمية لم تؤد لتجريد الدولة من سلطتها على التنمية، ولكنها تسببت في انتشارها بين أشكال غير مباشرة لحكم الدولة، فعلى الرغم من «الخطاب الواسع الذي يربط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإرساء «الديمقراطية التشاركية» في المغرب؛ تشير النتائج لأنها عززت في الواقع سلطة ممثلي وزارة الداخلية على حساب المجالس المحلية –المنتخبة، وأنها عملت كأداة لاستقطاب المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية المؤيدة للنظام، وأدت إلى تفتيت وإضعاف المساءلة المحلية –السياسية».

وأصبحت النخب المحلية بدورها تميل لاحتلال مساحة المجتمع المدني كمحاولة للوصول إلى الموارد، وبالتالي بناء شرعيتها الاجتماعية بشكل متزايد على تحالفها المتجدد مع الملك من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والعلاقات الزبائنية المحلية التي تسمح لها بالحفاظ عليها، بدلًا من وضعها على أساس الممثلين السياسيين.

 وهكذا يمكن القول بأن المبادرة كانت لها نتائج عكسية على الديمقراطية المحلية؛ إذ تسببت في زيادة نفوذ وكلاء الدولة غير المنتخبين، ما ساهم بدروه في تآكل الهياكل التنظيمية للأحزاب، وهكذا تمكنت الدولة من إعادة نشر قوتها التسلطية.

كذا فإن المسئولية المباشرة للدولة عن التنمية على المستوى الوطني لم تمنعها من اعتماد إصلاحات تشريعية لتفريع عملية تخطيط التنمية في إطار اللامركزية، إذ تم تخويل الجماعات المحلية، من خلال مجالسها المنتخبة، بإمكانية تسطير برامج تنموية على مستواها، إلا أن استمرار وصاية ممثلي وزارة الداخلية، جعل هامش استقلالية النسق المحلي في هذا الإطار قيد التقلص، ولا يتخلص من هاجس «التحكم والضبط وتغليب المقاربة الأمنية على حساب الهم التنموي، بإعادة تسويق نموذج الدولة المركزية المهيمنة على المستوى المحلي، والتي يكون همها الأساسي هو الضبط الاجتماعي بما تملكه من أدوات مختلفة، حيث تتوارى التنمية وراء هذه الوظيفة الضبطية لديناميات المجالات المحلية، وليس بغريب أن تظل هذه الوحدات المحلية قابعة في ضعفها وهوانها وتقدم خدمات لصالح الدولة المركزية» أكثر مما تقدمه للسكان الذين تمثلهم، ما دامت لا تستطيع الفكاك من رقابة الأذرع المحلية لسلطة الدولة.

مزجت الدولة بشكل غير مستقر بين الأيديولوجية النيوليبرالية وبين تدخلها المهم في الاقتصاد، ومن هنا قادت التنمية الاقتصادية كجزء من احتكار الفعل التنموي برمته. وربما يكون ذلك مطلوبًا بحكم أن «الدولة هي الكفيل الأخير بخلق الشروط الضرورية لتحقيق شيء من المساواة بين الفقراء والأغنياء؛ إذ أن تقليص نشاطات الدولة يعني محاباة الأغنياء على حساب الفقراء».[27] غير أن ذلك يجعل القطاع الخاص، بوصفه المولد الرئيسي للنمو الاقتصادي، معزولًا عن العملية التنموية ولا يساهم فيها، بل الأنكى من ذلك أن تبدو الدولة هزيلة أمام ممارسات القطاع الخاص المضادة والمعرقلة للتنمية، من قبيل ظاهرة التهرب الضريبي التي تفوت عليها موارد مالية كفيلة بتمويل جزء غير يسير من المشاريع التنموية.

وحسب تقرير أصدرته منظمة أوكسفام المغرب تحت عنوان «ضريبة عادلة من أجل مغرب منصف» في سنة 2019، فأن «المغرب يخسر أكثر من 2.45 مليار دولار سنويًا نتيجة التهرب الضريبي… حيث أن %82 من العائدات الضريبية على الشركات تُستخلص فقط من 2% من الشركات»، وهو الاتجاه الذي أكدته وزارة الاقتصاد والمالية، في المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات التي انعقدت في السنة نفسها، بأن «50% من إيرادات الضريبة على القيمة المضافة تأتي من 150 شركة فقط، وأن 27% فقط من التصريحات بالضرائب تنتهي بالأداء، في حين تؤدي 0.8% من الشركات 80% من الضريبة على الشركات».

هذا الواقع يشير لأن الرأسمالية المحلية هي رأسمالية طفيلية، كما يعكس رغبة القطاع الخاص في التملص من المساهمة في التنمية، رغم الحوافز التي تمنحها الدولة له، بل إن كون القطاع العام المملوك للدولة هو المسئول الرئيسي في قيادة عملية التنمية، يجعل القطاع الخاص لا يتحمل مسئولية التنمية الوطنية. إلا أن ذلك لا يعني أن القطاع العام يضطلع جيدًا بالمسئولية الملقاة على عاتقه، فهو إما تعوزه قلة الإمكانيات المادية أمام عجز الميزانية العامة وخدمة الدين الخارجي ما يحول دون التوسع في الاستثمارات العمومية الموجهة لإحداث المرافق الإنتاجية أو الخدمات الاجتماعية. أو على العكس، نجد القطاع العام متورط في حوادث الفساد التي تتسبب في إهدار الإمكانات المالية المحدودة المتاحة.

وبحكم أن الرأسمالية المحلية مستوردة وغير مستقلة، حيث لا تستطيع الدولة كسر قيود التبعية الاقتصادية للخارج، وبالتالي لا تملك استقلالية القرار الاقتصادي ومن ثم استقلالية تحديد أهداف ووسائل وسياسات التنمية. فذلك يجعل هذه الرأسمالية غير وطنية وليست تنموية؛ لأنها لا تؤمن حقًا بقضايا الوطن الاقتصادية. فمن جهة تبدو مُقيِّدة للتنمية نظرًا لما تقترفه في الغالب من أنشطة اقتصادية ريعية، حيث يركز رأسماليو المغرب ثرواتهم في التجارة والسمسرة والتوكيلات، بدلًا من الصناعة التي تعد بحق مقدمة قطار التنمية الاقتصادية، ومعنى ذلك أن النمو الاقتصادي يعتمد على تراكم رؤوس الأموال لا على الإنتاج وتوسعه، إذ أن «النمو مدفوع بشكل أساسي بمعدل استثمار مرتفع، يزيد عن 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2005».

 ومن جهة أخرى، يظهر بأن ليس لديها أي التزام بالتنمية إلا فيما نذر؛ إذ «لا تنفق على أوجه المسئولية الاجتماعية –مثل الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات، وإنشاء مراكز بحثية متخصصة، وتقديم منح مجانية للباحثين والعلماء، واستقطاب الكفاءات»، وحتى حينما تمارس بعض الأنشطة الاجتماعية، لا يكون ذلك سوى مجرد مخرج خلفي للتهرب الضريبي.

رغم كل هذه الاختلالات الهيكلية، لا تقترب سياسات الدولة للتنمية الاقتصادية من تغيير بنية الاقتصاد، ولذلك ما تزال تقتصر تدخلاتها على الانشغال برفع مستوى النمو، والذي لا يعدو أن يمثل سوى زيادة في نصيب رجال الأعمال في الدخل القومي وهي زيادة غير تنموية، خاصةً أن القطاع الخاص لا يعيد استثمار أرباحه بما يخلق مزيدًا من فرص العمل –التوسع والتراكم، وهكذا فدور الدولة الاقتصادي موجه في نهاية المطاف لتنمية القطاع الخاص بالأساس. وبرغم كل ذلك فالدور التنموي الذي تتخذه الدولة إزاء الاقتصاد لم يستطع رفع قدرة الاقتصاد على المنافسة والنمو، إذ لم يتجاوز هذا الأخير نسبة 1,5% منذ سنة 2015.