من أجل إدارة منصفة… هل تنجح مؤسسة الوسيط في قيادة ثورة المساواة داخل الإدارة المغربية؟

0
355

في خطوة وُصفت بالجريئة والاستباقية، أعلنت مؤسسة وسيط المملكة عن إطلاق برنامج وطني جديد تحت شعار “نحو إدارة المساواة”، تستهدف من خلاله إعادة بناء العلاقة بين الإدارة والمرتفق على أسس الدستور، والعدالة، ومبادئ حقوق الإنسان.

ويأتي هذا الإعلان في لحظة دقيقة من عمر الإدارة المغربية، التي تعاني -بحسب تقارير المؤسسة ذاتها- من اختلالات صارخة في ولوج المواطنين إلى الخدمات العمومية، وممارسات تمييزية صريحة أو ضمنية، مست عددًا من المجالات الحيوية، أبرزها: أنظمة التقاعد، التغطية الصحية، الوثائق الإدارية، وقضايا العقار.

برنامج أم ثورة مؤسساتية؟

الوسيط، المؤسسة الدستورية التي راكمت تجربة تتجاوز عقدًا ونصف، لا تكتفي اليوم باستقبال التظلمات، بل تدخل مرحلة جديدة تقوم على القوة الاقتراحية والتأثير المؤسساتي، من خلال مراجعة الإطار القانوني الذي يحكم علاقة الدولة بالمواطنين، وتفكيك كل النصوص والممارسات التي لا تحترم مبدأ المساواة وعدم التمييز.

فبحسب البلاغ الرسمي، فإن البرنامج ينطلق من قناعة راسخة بأن الإدارة لا تزال تعيد إنتاج أنماط من “التفاوتات الإدارية” التي تخلق شعورًا بالغُبن وانعدام الثقة، بل وتُعمّق الهوة بين الدولة والمواطن، وهو ما دفع الوسيط إلى اعتماد هذا المشروع كمحور رئيسي لتقارير المؤسسة السنوية، وموضوعًا للحوار المؤسساتي المفتوح مع شركاء الدولة والمجتمع المدني والجامعة.

خلف الأرقام.. أي أثر فعلي؟

اللافت أن هذه المبادرة تأتي بعد سنة غير مسبوقة على صعيد حصيلة المؤسسة، إذ كشف التقرير السنوي الأخير عن تلقي أكثر من 7200 تظلم سنة 2023، بزيادة بلغت 22% عن السنة التي سبقتها، فيما بلغت نسبة تنفيذ توصيات المؤسسة 81.48%، وهي نسبة قياسية تبرز تغيرًا في تجاوب الإدارة.

لكن هذه الأرقام تطرح أيضًا سؤالاً محوريًا: هل تعكس هذه المؤشرات بداية تحول ثقافي في الإدارة المغربية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استجابة ظرفية؟ خاصة وأن الوسيط ذاته سبق أن نبّه إلى ضعف تجاوب بعض المؤسسات السيادية ووزارات حيوية مع قراراته.

إدارة تنتج التمييز؟

البرنامج الوطني، حسب المؤسسة، يسعى لتشخيص دقيق لنقاط الضعف المؤسساتية التي تُكرّس تمييزًا صامتًا، سواء من خلال المساطر الإدارية المعقدة، أو توزيع الموارد البشرية، أو حتى مضمون النصوص القانونية المتقادمة التي لم تواكب التحولات الحقوقية التي كرّسها دستور 2011.

ولعل اللافت هو أن المؤسسة تربط هذا البرنامج برؤية الدولة الاجتماعية التي ما فتئ الملك محمد السادس يدعو إلى تجسيدها، مما يضفي على المشروع بُعدًا سياسيًا ومؤسساتيًا يتجاوز دور الوساطة، ليصل إلى حدود مرافعة وطنية لإعادة هندسة الإدارة على أسس العدالة والكرامة.

ما الذي يعنيه فعلاً: “نحو إدارة المساواة”؟

وراء العنوان الطموح للبرنامج، يكمن مشروع إصلاحي غير مسبوق يسعى إلى تحيين المنظومة القانونية والتنظيمية التي تضبط العلاقة بين الإدارة والمواطن، وفق مقاربة ترتكز على ثلاثية متكاملة:

🔹 العدل في الولوج إلى الخدمات
🔹 عدم التمييز في الممارسة
🔹 ترسيخ الثقة داخل المرفق العمومي

فمؤسسة الوسيط لم تكتفِ بتوصيف المشكلة، بل حدّدت بوضوح أبرز “النقاط السوداء” في الإدارة المغربية، ومن بينها:

  • تباين الممارسات الإدارية بين جهة وأخرى رغم وحدة النصوص

  • استمرار الإقصاء غير المعلن بسبب العُمر، أو النوع، أو الانتماء المجالي

  • تأخر الاستجابة للشكايات أو رفض غير معلّل لها

  • غياب آليات مفعّلة لإنصاف المرتفقين أمام تسلط بعض الموظفين

وقد أبانت المؤسسة عن إرادة قوية لإحداث تحوّل ثقافي ومؤسساتي عميق، يوازي ما تحقق على مستوى التشريع، من خلال إشراك فاعلين من مختلف الحقول: حقوقيون، نقابيون، نساء، جمعيات، فاعلون أكاديميون، مؤسسات رقابية.

وساطة تُعيد الاعتبار للمواطن

أبرز ما يميّز مؤسسة الوسيط اليوم، أنها تحوّلت من مجرّد منصة لتلقي الشكايات إلى قوة اقتراحية فاعلة. إذ يكفي أن نُذكر أنها في تقاريرها السنوية، تصدر توصيات حاسمة ضد قرارات إدارات عمومية، وغالبًا ما تحقّق استجابة تتجاوز 80%.

كما لعبت المؤسسة دورًا محوريًا في:

  • حلّ نزاعات عقارية مع الإدارة

  • إنصاف ضحايا أخطاء في المعاشات والتقاعد

  • مراجعة قرارات الحرمان من منح التعليم أو التأمين الصحي

  • الضغط من أجل تحيين المساطر القانونية للمباريات الإدارية

هذه التجربة تراكمت، لتتحول اليوم إلى برنامج وطني يحمل عنوانًا صريحًا: المساواة داخل الإدارة ليست ترفًا، بل حق دستوري ومصلحة وطنية.

هل تستجيب الدولة؟

رغم الأرقام المشجعة، لا تزال بعض الإدارات العمومية تُتهم بـ”عدم التعاون التام” مع المؤسسة، أو بإهمال التوصيات الصادرة عنها.

وهنا يطرح السؤال الحاسم: هل تمتلك مؤسسة الوسيط صلاحيات كافية؟ وهل تحظى بالدعم السياسي والمؤسساتي الضروري لتطبيق برنامج “نحو إدارة المساواة” على أرض الواقع؟

الجواب – كما تؤكده المؤسسة نفسها – يكمن في المقاربة التشاركية، ودعوة الجميع (برلمان، حكومة، مجتمع مدني، إعلام…) إلى الترافع العمومي من أجل بناء إدارة منصفة، تشكّل جزءًا من هوية الدولة الاجتماعية كما نادى بها الملك.

في الختام… رهان تاريخي على العدالة الإدارية

برنامج “نحو إدارة المساواة” ليس مجرد شعار موسمي. إنه بداية مرحلة جديدة من الإصلاح الإداري الحقيقي، يقوده “وسيط المملكة” في لحظة وطنية دقيقة، يتقاطع فيها مطلب الكرامة مع ضرورة تجديد الثقة في مؤسسات الدولة.

وإذا كانت الإدارة مرآة الدولة، فإن هذا البرنامج يعيد صقل تلك المرآة… ليظهر فيها وجه مغرب المساواة والعدل.