من أجل اللغة العربية… وبها: هل نعيش أزمة لغة أم أزمة هوية؟

0
327

من أجل اللغة العربية… وبها

نص للدكتور عبد النبي عيدودي – تحرير وفق خط صحيفة المغرب الآن

في زمن تتصارع فيه اللغات داخل الفضاء العمومي، وتتزايد الضغوط على اللغة العربية سواء في الإعلام أو التعليم أو الإدارة، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في موقعها، لا من منطلق العاطفة، بل من منظور تحليلي يربط اللغة بالهوية، وبالتوازنات النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

الدكتور عبد النبي عيدودي، في هذا النص، لا يدافع عن العربية من موقع المرافعة الأيديولوجية، بل ينطلق من تحليل متدرج يبدأ من الذات ويصل إلى المجتمع، ومن الداخل إلى المحيط العالمي، ليضع اللغة في صلب المشروع الحضاري لأي أمة.

اللغة كمنفذ داخلي: هل التعبير حاجة نفسية أم ضرورة وجودية؟

في المقام الأول، يؤكد الكاتب أن اللغة ليست مجرد وسيلة نطق أو نقل للمعنى، بل هي الامتداد الحي لمشاعرنا. هي الطريقة التي نتصالح بها مع أنفسنا، ونواجه بها ما يعتمل فينا من انفعالات، مخاوف، وصراعات.

فهل يمكن للإنسان أن يعيش دون لغة يبوح بها؟
وهل من الممكن تجاوز الألم دون القدرة على التعبير عنه؟

اللغة، بهذا المعنى، ليست أداة فكرية فقط، بل بنية نفسية، تُحرِّر الداخل، وتمنح للذات إمكانية التشكل السليم. ليس عبثًا أن كل مدارس علم النفس، كما يلاحظ الكاتب، تخصص فصولًا للغة، إذ بها نتحرر من الكبت، وبها نؤسس وعينا.

البعد الاجتماعي للغة: هل التعدد اللغوي ضرورة أم تهديد للنسيج الوطني؟

ينتقل النص من البعد النفسي إلى الدور الاجتماعي للغة، مؤكدًا أن المجتمع لا يُبنى فقط على المصالح أو القانون، بل على لغة تصنع المشترك الرمزي، وتنقل الذاكرة والقيم وتؤطر الخلاف.

لكن ماذا يحدث حين تضعف هذه اللغة؟
هل يتحول التنوع إلى صراع بدل أن يكون ثراءً؟

حين تنهار اللغة الموحدة، يُصاب النسيج الاجتماعي بالتشقق، ويُستبدل الحوار بالتنازع، ويتحول الاختلاف إلى تمزق. من هنا، يصبح الدفاع عن اللغة دفاعًا عن وحدة مجتمعية أكثر مما هو خيار لغوي.

اللغة كقوة رمزية: من يتحكم في الإعلام يتحكم في العقول

يلفت النص إلى أن اللغة، في جوهرها، أداة للتأثير، وصياغة الخطاب، وتشكيل الرأي العام. وهي في هذا السياق، تلعب دورًا حاسمًا في التعليم، والسياسة، والإعلام، بل وفي بناء الشرعية الثقافية.

فحين تغيب لغة ما عن الإعلام، ماذا يتبقى من قدرتها على التأثير؟
وهل يمكن للغة أن تصمد خارج فضاءاتها الطبيعية؟

يُحذر الكاتب من أن تهميش العربية في المؤسسات هو بداية لفقدانها السيطرة على الفضاء العام، وبهذا تفقد المجتمعات سيادتها الرمزية، وتُفتح الأبواب أمام ثقافات مهيمنة تصوغ الوعي المحلي من الخارج.

اللغة كحامل للإبداع: من يُقصي العربية يُقصي العقل

الإبداع لا يتم خارج اللغة. وهذا ما يؤكده الكاتب بقوة. فلا فكر بلا بيان، ولا ثقافة بدون تعبير، ولا حضارة بدون لغة.

فهل يمكن أن نبني مشروعًا فكريًا بالعربية بينما نُدرس به بالفرنسية؟
وهل نُنتج حضارة بلغة ليست جزءًا من الذات؟

كل من يدعو إلى تهميش اللغة العربية – سواء بشكل مباشر أو عبر التقليل من جدواها – يُساهم، بشكل واعٍ أو غير واعٍ، في تعطيل إمكانيات الإبداع المحلي. فاللغة ليست فقط وسيلة للتعبير عن الهوية، بل هي من يُنتج تلك الهوية.

سؤال مفتوح للمغرب والعالم العربي: ما الذي نريده نحن بهذه اللغة؟

بعد هذا التحليل، يطرح الدكتور عيدودي سؤالًا جوهريًا: لماذا أقول “من أجل اللغة العربية وبها”، ولا أقول “من أجل الفرنسية”؟

والجواب يأتي دون تصعيد أو رفض للآخر، بل من منطلق أن الدفاع عن العربية ليس موقفًا عرقيًا، بل خيار حضاري. فالعربية، منذ قرون، لم تعد لغة “العرب فقط”، بل أصبحت لغة دين وثقافة جامعة، تتجاوز الإثنية والجغرافيا.

وبهذا المنطق، تصبح قضية اللغة في المغرب، وفي المجتمعات الناطقة بالعربية، مسألة سيادية واستراتيجية.

هل نريد للعربية أن تكون لغة المستقبل، أم مجرد ذكرى من الماضي؟

وهل بإمكان مشروع حضاري أن يُبنى بلغة مقصية من مدارسنا وجامعاتنا؟

الدكتور عيدودي لا يطرح أجوبة جاهزة، بل يُعيد فتح النقاش من زاوية استراتيجية: أي موقع للغة في مشروع الدولة؟  وأي مكانة للعربية في صراع الهويات الثقافية المعولمة؟