من أجل عدالة مهنية في زمن الهشاشة: هل يعيد الاتفاق الاجتماعي ترتيب أوضاع الصحافيين في المغرب؟

0
78

في مقرها المركزي بالعاصمة، نظّمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية يوم الأربعاء 16 أبريل 2025 لقاءً تواصلياً موسعاً لفرعها في الرباط، جمع نخبة من الصحافيين والإعلاميين والفاعلين في قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية، بحضور رئيس النقابة عبد الكبير أخشيشن، ورئيس الفرع المحلي عزيز إجهابلي، وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي.

لكن خلف عبارات “التقييم” و”الاستشراف”، طرح اللقاء أسئلة جوهرية حول ما إذا كان الاتفاق الاجتماعي الموقع سنة 2023 مجرد وثيقة نوايا، أم بداية مسار لإعادة الاعتبار للصحافي المغربي؟

الاتفاق الاجتماعي: مكسب مهني أم هدنة سياسية؟

الاتفاق الاجتماعي الذي تم توقيعه في 6 أبريل 2023 بين النقابة الوطنية والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، جاء في سياق تصاعد مطالب العاملين في القطاع بتحسين شروط العمل. إلا أن النقاش حول مدى تفعيل بنوده ظل محصوراً في دائرة ضيقة، ما يطرح تساؤلاً مشروعاً:

ما الذي يمنع تحويل هذا الاتفاق إلى آلية حقيقية لتحسين أوضاع الصحافيين على أرض الواقع؟

أخشيشن شدد خلال كلمته على أن الاتفاق لا يمكن أن يكون غاية في حد ذاته، بل يجب أن يُستكمل باتفاقية جماعية شاملة. لكنه عاد ليذكّر بأن هذه الاتفاقية، والتي تُعتبر بمثابة “الدستور المهني للصحافيين”، ما تزال حبيسة الأدراج منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وهنا يتساءل المتابع:

هل تعثر تنفيذ الاتفاقية الجماعية يعود إلى عراقيل قانونية أم إلى غياب الإرادة السياسية من الجهات المعنية بتنظيم القطاع؟

هشاشة هيكلية: أزمة المؤسسات أم أزمة تمثيلية؟

في تحليله للوضع الراهن، أشار رئيس النقابة إلى الهشاشة البنيوية التي يعاني منها قطاع الصحافة المكتوبة، سواء من حيث التمويل أو من حيث بنيته المؤسساتية. وضعٌ ينعكس على أجور الصحافيين التي – حسب تعبيره – لا تليق بحجم الأعباء ولا بكرامة المهنة.

هذه الدعوة المتكررة لإعادة النظر في منظومة الأجور تفتح الباب على سؤال أوسع:

كيف يمكن تحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية في مؤسسة صحافية، دون إصلاح شامل لمنظومة دعم الصحافة، وتحديد معايير واضحة للمهنية والاستحقاق؟

وما يزيد الطين بلة، أن سقف الدعم العمومي المخصص للصحف قد انتهى في مارس الماضي، دون أن يتم الإعلان عن بدائل استراتيجية، ما يطرح علامات استفهام حول مستقبل الصحافة الورقية، وحتى الإلكترونية، في ظل غياب نموذج اقتصادي مستدام.

بلقاء تواصلي لفرع الرباط.. اخشيشن يجدد دعوته إلى مراجعة منظومة أجور العاملين في قطاع الصحافة

الإذاعات الخاصة تحت المجهر: من يحمي كرامة الصحافي؟

لفت اللقاء أيضاً إلى الوضع المقلق في الإذاعات الخاصة، حيث يشتغل عدد من الصحافيين في ظروف “لا تحترم الحد الأدنى من الكرامة المهنية”، حسب تعبير المتدخلين. في بعض الحالات، يُطلب من الصحافي أن يُنتج، ويُركب، ويُروج، ويتحمل أخطاء الإدارة، بأجر لا يتعدى الحد الأدنى القانوني – إن توفر أصلاً.

هل تحتاج الإذاعات الخاصة إلى قانون تأطير خاص؟
وهل يتوفر المجلس الوطني للصحافة على آليات فعالة لمراقبة شروط العمل داخل هذه المؤسسات؟

قبيل 3 ماي: أين تقف السياسات العمومية من إصلاح الإعلام؟

اللقاء جاء في توقيت بالغ الرمزية، أيامًا قليلة قبل اليوم العالمي لحرية الصحافة، ليعيد إلى الواجهة أسئلة عميقة حول السياسات العمومية الموجهة للإعلام. هل يمكن الحديث عن حرية صحافة حقيقية، في ظل واقع اجتماعي ومهني هش؟ وهل تستطيع المؤسسات الوصية كوزارة الاتصال والمجلس الوطني للصحافة، إرساء قواعد واضحة لمهنة تعاني من فوضى تنظيمية واقتصادية؟

من الأزمة إلى الأمل: ما العمل؟

رغم الصورة القاتمة التي رسمها بعض المتدخلين، إلا أن اللقاء أظهر أيضًا وعياً جماعياً متزايداً بضرورة الإصلاح، ووجود إرادة لدى الجسم الصحافي للدفاع عن حقوقه. الاتفاقات الموقعة ليست سوى بداية، ما لم تُستكمل بأدوات متابعة، وتشريعات تُلزم الأطراف المعنية بتحقيق التغيير الحقيقي.

في النهاية، تبقى القضية الأساسية كما لخصها أخشيشن:

الصحافة ليست فقط مهنة، بل مسؤولية جماعية وأداة لبناء الوعي الديمقراطي… فهل آن الأوان لنمنح الصحافي المكانة التي يستحقها في المجتمع؟