من إفلاس إلى إفلاس..ارتفاع نسبة إفلاس الشركات بالبلاد 18% في النصف الأول 2023

0
474

في البداية كانت جائحة كورونا والآن التضخم وأزمة الطاقة وارتفاع سعر الفائدة، ما يهدد دولا البلاد  بالإفلاس.

وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري قد أقر في البرلمان بالصعوبات التي تعترض الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة

أظهر تقرير مكتب “أنفوريسك” المتخصص في المعلومات القانونية والمالية حول الشركات المغربية والمغاربية، بشأن توقف نشاط الشركات بالمغرب، إذ خيم شبح الإفلاس على أكثر من 6660 شركة خلال النصف الأول من هذه السنة، بارتفاع سنوي ناهز 18 في المائة، فيما استأثرت المقاولات الصغرى بحصة الأسد بواقع أكثر من 98 في المائة من مجموع الشركات المفلسة.

ويتوقع أن يستقر عدد حالات إفلاس الشركات في المغرب خلال العام المقبل 13 ألف حالة، ليمثل زيادة بنحو 53 بالمئة مقارنة بسنة 2019، ما يجعل المغرب يحتل المرتبة الرابعة عالميا، بعد كل من بولندا وإسبانيا وهنغاريا.

تطرح هذه الأرقام المرتفعة حالة الشركات المغربية، وخصوصا الصغيرة والمتوسطة التي ما زالت تعاني من تداعيات أزمة كورونا، لتنضاف إليها آثار التضخم وارتفاع أسعار مختلف المواد منذ بداية العام الماضي.

ولا يستبعد أن تزداد وتيرة الإفلاسات في ظل استمرار الظرفية الاقتصادية غير المواتية سواء دوليا أو وطنيا، ناهيك عن تأثيرات رفع سعر الفائدة الرئيسي من طرف بنك المغرب إلى 3 في المائة حيث من شأنه أن يحد من تمويل المقاولات، وبالتالي ضياع فرص إنقاذها من الإفلاس.

عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، قال إن “عدد حالات المقاولات المغربية التي أفلست أكبر بكثير من العدد الصادر عن أنفوريسك”؛ ذلك أن “الأرقام الصادرة تهم فقط الشركات المتمتعة بالشخصية المعنوية، دون المقاولات الصغيرة ذات الطابع الذاتي وشركات الأفراد”.

وأضاف المتحدث عينه أن “عدد المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة التي أفلست السنة الماضية بلغ 25 ألف حالة، 99 في المائة منها مقاولات صغيرة جدا، أي بزيادة قدرها 5000 ألف مقاولة مقارنة بسنة 2021 التي سجلت 20 ألف حالة إفلاس”، موضحا أن “حوالي 250 ألف مقاولة كانت مهددة بالإفلاس برسم العام الماضي”.

حسب معطيات الوثيقة ذاتها، فإن عدد حالات الإفلاس وسط الشركات المغربية قد ناهز سنة 2020 حوالي 6 آلاف و620 حالة، ليرتفع الرقم إلى 10 آلاف و552 حالة في سنة 2021، ثم إلى 12 ألفا و397 حالة سنة 2022.

رغم إفلاس أكثر من 12 ألف..نسبة تخلف المقاولات عن الأداء ترتفع لــ 65 مليار درهم

وفي حين تتجه أغلب إقتصادات العالم للشركات الناشئة والصغيرة من أجل الدفع بإقتصاداتها، فإن المغرب إختار الإتجاه المعاكس تماما، إذ تخلت حكومة رجل الأعمال بشكل شبه كلي عن الشركات الصغيرة والمتوسطة، تاركة إياها تواجه الأزمات المتتالية في السنوات الأخيرة، ما تسبلب في إغلاق عدد مهول منها، وبالتالي تعميق أزمة البطالة والضياع الذي يعيشه الشاب المغربي.

وسجل المغرب أكثر من 12 ألف حالة إفلاس بين الشركات الصغيرة جدا, الصغيرة والمتوسطة خلال العام 2022, على خلفية ارتفاع أسعار المواد الأولية وارتفاع نسبة التضخم التي بلغت مستويات قياسية بالبلاد.

وكشف تقرير لمكتب “أنفوريسك” المتخصص في تتبع وضعية المقاولات بالمغرب, أورده الإعلام المغربي الأسبوع الفارط, عن إفلاس 12 ألفا و397 شركة خلال العام 2022, بزيادة نسبتها 17,4 في المائة مقارنة بعام 2021, وأن نسبة إفلاس الشركات الصغيرة جدا قاربت حد الـ 100 بالمائة.

ووفقا لذات التقرير, فقد تم تسجيل 41 في المائة من حالات الإفلاس وسط الشركات في المحور الدار البيضاء-الرباط-طنجة, الذي يضم أكبر عدد من الشركات, وتشتغل 33 في المائة من المقاولات المفلسة في قطاع التجارة, و21 في المائة في قطاع العقار, و15 في المائة في البناء والأشغال العمومية.

وتعليقا على هذه الأرقام, قال رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة, عبد الله الفركي, في تصريحات إعلامية ، أن النسيج المقاولاتي المكون بالأساس من الشركات الصغيرة والمقاولين الذاتيين, أمضى سنة صعبة بسبب استمرار تداعيات أزمة كورونا, لتضاف إليها آثار التضخم وارتفاع أسعار مختلف المواد منذ بداية العام الماضي.

وذكر الفركي, في حديث لوسائل الإعلام المحلية, أن “نسبة الإفلاس قد تكون أكبر من الأرقام المعلنة, كما لا تزال هناك نسبة كبيرة مهددة بالإفلاس في ظل عدم تدخل الحكومة لتخفيف الآثار السلبية للوضعية الاقتصادية والمتسببة في التضخم المرتفع, ناهيك عن موسم الجفاف الذي أثر على الطلب المحلي”.

ورجح المتحدث, أن تزداد معاناة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة خلال العام الجاري في ظل إستمرار الظرفية غير المواتية, ناهيك عن رفع سعر الفائدة الرئيسي من طرف بنك المغرب إلى 2.5 في المائة, مشيرا إلى أن هذا القرار “سيحد من تمويل هذه من المقاولات وبالتالي ضياع فرص إنقاذها من الإفلاس”.

وذكر رئيس الكونفدرالية, أن المقاولات الصغيرة ستواجه مقتضيات جديدة تقضي برفع الضريبة بموجب قانون مالية 2023, وهو ما سيزيد من حدة الإفلاس أو اللجوء إلى العمل في القطاع غير المهيكل, ناهيك عن استمرار عدد من المشاكل المتمثلة في صعوبة الولوج إلى الصفقات العمومية والعقار وطول آجال الأداء.

بنية الشركات في المغرب

تنقسم الشركات في المغرب إلى شركات صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة وكبرى.

  • الشركات الصغيرة جدا: لا يتعدى رقم معاملاتها 3 ملايين درهم (حوالي 300 ألف دولار)، وعدد العمال فيها أقل من 10 أشخاص.

  •  الشركات الصغرى: يتراوح رقم معاملاتها بين 3 ملايين و50 مليون درهم (بين 300 ألف و5 ملايين دولار).

  • الشركات المتوسطة: يتراوح رقم معاملاتها بين 50 مليونا و75 مليون درهم (بين 5 ملايين و7.5 ملايين دولار).

  • الشركات الكبرى: يتجاوز رقم معاملاتها 75 مليون درهم (7.5 ملايين دولار) أو تشغل أكثر من 200 عامل.

وتتكون بنية الشركات بالمغرب من 93% من الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة (64% من الشركات الصغيرة جدا و29% من الشركات الصغرى والمتوسطة)، في حين لا تمثل الشركات الكبرى سوى حوالي 7% حسب دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، ويتركز ثلثا هذه الشركات تقريبا (63%) في المجال الجهوي للدار البيضاء وطنجة.

وتوفر الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة حوالي 74% من فرص العمل في القطاع المنظم، حسب المرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.

وتهيمن هذه الشركات على النسيج الإنتاجي المغربي، إذ تمثل 99.6% من بين أكثر من 296 ألف شركة.

وتعمل 30% من الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة في التجارة، و23% في البناء.

وحسب المرصد، فإن هذه الشركات تمثل 41% من مجمل رقم معاملات الشركات بالمغرب، و26% من المعاملات الموجهة للتصدير، و35% من القيمة المضافة.

أسباب الإفلاس

عزا تقرير “أنفوريسك” إفلاس هذه الشركات إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما تلا ذلك من ارتفاع في أسعار المواد الأولية وقفزات التضخم التي بلغت مستويات قياسية، إلى جانب ضعف اللجوء إلى الإجراءات الوقائية التي تنص عليها المنظومة القانونية للشركات والتجارة.

أما عبد الله الفركي فيرى أن إفلاس الشركات الصغيرة والصغيرة جدا على الخصوص ليس مرتبطا بالظروف الحالية، بل يرجع لأسباب أخرى بنيوية، فهي لا تستفيد من تمويل البنوك وليس لديها نصيب من الصفقات العمومية.

وأشار الفركي إلى أن قانون الصفقات الصادر سنة 2013 يعطي 20% من الصفقات العمومية للشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا، غير أنه لا يطبق.

وأضاف أن المناطق الصناعية المجهزة تخصص أوعية عقارية تتجاوز ألف متر، وهي مواصفات تلبي حاجة الشركات الكبرى والمتوسطة ولا تراعي قدرات الشركات الصغيرة والصغيرة جدا التي لا تحتاج سوى ما بين 100 و200 متر فقط.

من جهته، يشير المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إلى أن الشركات الناشئة -التي لا يتجاوز عمرها سنتين- تواجه صعوبات كبيرة في بداياتها وتكون نسبة الإفلاس مرتفعة جدا.

وعلى الرغم من تشجيع الحكومة على إنشاء الشركات الصغيرة والصغيرة جدا عبر برامج مختلفة فإن هذه البرامج -حسب الأزرق- تقتصر على توفير التمويل والإعفاءات الضريبية لمدة محددة، في حين لا توفر الدعم الحقيقي على المستوى القانوني والتسويق والبنية التحتية.

مشكلة بنيوية

وكان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري قد أقر في البرلمان بالصعوبات التي تعترض الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة.

وأفاد السكوري بأن 12% فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة تصل إلى الموارد البنكية، ووصف هذه الصعوبات بأنها “مشكلة بنيوية”.

وأعلن الوزير بعض الخطوات لتجاوز هذا الوضع، من بينها تبسيط إجراءات الصفقات العمومية الأقل من 5 ملايين درهم (500 ألف دولار)، لافتا إلى أن وزارته أعدت المرسوم الخاص بدعم الشركات الصغيرة والصغيرة جدا في إطار الاستثمار.

وكانت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات قد أطلقت الأسبوع الماضي المخطط التشغيلي “جيل المقاومين”، ويهدف هذا المخطط إلى دعم 100 ألف من حاملي المشاريع والمقاولين الذاتيين، وكذلك المقاولات الصغيرة جدا بين سنتي 2023 و2026.

ميثاق الاستثمار

بدوره، يدعو الفركي الحكومة إلى إعطاء اهتمام أكبر للشركات الصغيرة والصغيرة جدا في صياغة أي برامج اقتصادية، بالنظر لمساهمتها المهمة في الحفاظ على السلم الاجتماعي كونها المشغل الأول في البلاد.

ولحل مشكلة الوصول إلى التمويل يقترح الفركي إنشاء بنك للدولة لتمويل هذه الشركات التي تقصيها البنوك التجارية لأنها غير مربحة بالنسبة لها.

ويعول المستثمرون على ميثاق الاستثمار الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول الماضي من أجل تجاوز الصعوبات التي تواجهها الشركات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.

أما الأزرق فيشير إلى أن هذا الميثاق يرمي إلى مساعدة الشركات، خاصة تلك الراغبة في الاستثمار في قطاعات جديدة أو مناطق بعيدة، إذ ستستفيد من برامج دعم وتحفيزات ضريبية.

ويتوقع المتحدث أن يكون لهذه التوجهات وقع إيجابي على الشركات الصغيرة والصغيرة جدا، وأن تدفع باتجاه تعزيز صمودها في مواجهة الأزمات التي تعترضها في الأيام الأولى لتأسيسها.