من الحكم الذاتي إلى الاعتراف الدولي: هل قربت الأمم المتحدة نهاية زمن الغموض للانفصاليين؟

0
166

يبدو أن مجلس الأمن الدولي، وهو يستعد للتصويت على مشروع قراره المعدل بشأن قضية الصحراء المغربية، يفتح الباب أمام تحول نوعي في طريقة مقاربة المنتظم الدولي لهذا النزاع الإقليمي المزمن. فالمسودة المسربة، والتي تشير بوضوح إلى “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كإطار للتفاوض”، لا تكتفي بتكرار المواقف التقليدية، بل تُحدث نقلة في لغة القرار، من التوصيف الدبلوماسي المحايد إلى تبنٍ ضمني لحلٍ أصبح يوصف اليوم بأنه الأكثر قابلية للتطبيق.

إن هذه الصياغة الجديدة لا تأتي من فراغ، بل تعكس تراكمات سياسية ودبلوماسية مغربية امتدت لأكثر من عقدين. فمنذ أن قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي في 11 أبريل 2007، تحت إشراف مباشر من جلالة الملك محمد السادس، تبنّت الرباط منهجاً يقوم على الواقعية السياسية بدل الشعارات، وعلى مبدأ “حل واقعي، عملي، ودائم” يضمن كرامة الساكنة ويحافظ على وحدة التراب الوطني. واليوم، يبدو أن هذا المنهج بدأ يترسخ في قناعات أعضاء مجلس الأمن، حتى أولئك الذين كانوا يفضلون الغموض اللفظي في القرارات السابقة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام بداية تحول في الموقف الأممي، أم مجرد تعديل لغوي مؤقت يخضع لتوازنات اللحظة؟

إن إدراج عبارة “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية” كلغة توصيف رسمية داخل مشروع القرار يُعدّ سابقة في حد ذاته، لأنه يربط لأول مرة بين مفهومي “الحل العادل” و”السيادة المغربية” ضمن سياق واحد. وهذا ما يمنح المغرب دفعة معنوية ودبلوماسية قوية، ويُربك الخطاب الانفصالي الذي ظل يراهن على ضبابية الموقف الأممي.

من جهة أخرى، تمديد مهمة بعثة “المينورسو” لعام إضافي إلى غاية أكتوبر 2026، مقروناً بدعوة الأطراف إلى مفاوضات مباشرة “دون شروط مسبقة”، يترجم رغبة الأمم المتحدة في الانتقال من مرحلة إدارة النزاع إلى مرحلة البحث الجاد عن التسوية النهائية. فالمجتمع الدولي بات يدرك أن استمرار الوضع على ما هو عليه لم يعد خياراً، وأن الواقع الإقليمي الجديد في شمال إفريقيا — بما فيه التحولات في الجزائر ومنطقة الساحل والصحراء — يفرض معالجة واقعية، لا عاطفية.

لكن المفارقة اللافتة هي أن مجلس الأمن، وهو يشدد على “تقرير مصير سكان الصحراء الغربية”، يربطه ضمنياً بإطار الحكم الذاتي. هنا بالضبط يتجلى ذكاء الصياغة الجديدة: فهي تضع مبدأ تقرير المصير في سياق السيادة الوطنية، لا الانفصال عنها. أي أن الاختيار الديمقراطي للسكان يتحقق داخل البيت المغربي، لا خارجه.

ولعل السؤال الأكثر عمقاً الذي يمكن أن يطرحه القارئ المتأمل هو:

هل انتصر المغرب دبلوماسياً، أم أن المجتمع الدولي بدأ يتصالح مع منطق الجغرافيا والواقعية السياسية؟

إن التحولات في مواقف العديد من الدول — من واشنطن إلى مدريد، ومن برلين إلى لاهاي — لم تكن مجرد مجاملات دبلوماسية، بل تعبير عن إدراكٍ متزايد بأن المغرب هو الطرف الوحيد القادر على ضمان الاستقرار الإقليمي في منطقة تعصف بها الأزمات الأمنية والإيديولوجية. ولذلك، لم يعد مقترح الحكم الذاتي مبادرة مغربية فحسب، بل أصبح ورقة أممية لإعادة بناء الأمن في غرب المتوسط ومنطقة الساحل.

وفي النهاية، إذا كان مجلس الأمن قد بدأ يضع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في صلب معادلة الحل، فإن المرحلة المقبلة ستتطلب من الرباط مزيداً من الحنكة في إدارة المفاوضات القادمة. فالتاريخ يعلمنا أن المعارك الدبلوماسية لا تُكسب فقط بالنصوص، بل بقدرة الدولة على حماية مكاسبها وتوسيع تحالفاتها وتحويل الاعتراف السياسي إلى واقع اقتصادي وتنموي في الأقاليم الجنوبية.

يبقى السؤال مفتوحاً أمام الجميع:

هل نحن أمام لحظة تحول تاريخي في مسار قضية الصحراء، أم أمام خطوة جديدة في لعبة التوازنات داخل مجلس الأمن؟

ما يبدو مؤكداً هو أن الزمن يعمل لصالح المقترح المغربي، وأن الأمم المتحدة — ولو ببطءها المعروف — بدأت تُدرِك أن الواقعية المغربية ليست موقفاً سياسياً فحسب، بل مشروع استقرار إقليمي يتجاوز الحدود الجغرافية للصحراء إلى مستقبل الأمن في شمال إفريقيا.