في وقت يتراجع فيه سعر الأعلاف عالمياً، خاصة الذرة وفول الصويا، يعيش المستهلك المغربي معاناة يومية مع ارتفاع أسعار البيض التي لا تكاد تهدأ. هذا التناقض أثار قلق رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين التي وجّهت نداءً عاجلاً لفتح تحقيق شامل يكشف ملابسات هذا الارتفاع المتواصل، ويضع يد القضاء على ما تصفه بـ”التفاهمات غير المعلنة” بين كبار المنتجين والموزعين.
هل فعلاً ينجح كبار الفاعلين في السوق في تكوين حلقة من السيطرة والاحتكار، تحكم الأسعار على حساب جيوب المواطنين؟ وهل يصل الدعم الحكومي المخصص للإنتاج الحيواني إلى مستحقيه فعلاً؟
تفكيك سلسلة الإنتاج: من مزارع صغيرة إلى سماسرة كبار
سوق البيض المغربي تتشكل من آلاف المزارع، تتراوح بين الصغيرة والمتوسطة، وبين شركات كبيرة تُسيطر على نسب كبيرة من الإنتاج. وتفيد شهادات مزارعين كبار وصغار أن النظام المالي في السوق يشكل أحد عوائق التوسع، إذ يعتمد الكثير منهم على شراء الأعلاف بالدين من الموردين الكبار الذين يوفرون الذرة وفول الصويا مع شروط مالية قاسية.
هذا الربط يجعل المزارع الصغيرة تحت ضغط مستمر، فعدم الالتزام بشروط التسديد يعني قطع التزويد، ما يعرضهم لخسائر فادحة ويقيد قدرتهم على المنافسة.
وفي الوقت نفسه، يبرز دور “وسطاء” وسماسرة في حلقات التوزيع، يربحون من خلال التحكم في الأسعار، خصوصاً في الأسواق الكبرى حيث تزداد عمليات المضاربة.
الدعم الحكومي… هل هو أداة للمستهلك أم لجيوب كبار المنتجين؟
منذ سنوات، تمنح الدولة إعفاءات جمركية وتسهيلات في استيراد الأعلاف، بهدف تخفيض تكلفة الإنتاج وتشجيع الاستقرار في السوق. لكن البيانات تشير إلى أن هذه التسهيلات لا تنعكس على الأسعار النهائية في الأسواق، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول آلية التوزيع والرقابة.
رابطة المستهلكين في بيانها تشير إلى ضعف فعالية الرقابة من قبل الجهات المختصة، خصوصاً مجلس المنافسة الذي لم يتحرك حتى الآن لمواجهة “التفاهمات غير المعلنة”.
إن غياب الشفافية في استخدام الدعم الحكومي واستمرار ارتفاع الأسعار يشير إلى وجود اختلال في المنظومة، ربما يعود إلى غياب إرادة سياسية واضحة لمحاسبة المتورطين أو لتحرير السوق من الاحتكار.
تواطؤ أم تراكمات سوقية؟ قراءة في دور كبار المنتجين والموزعين
الاحتكار لا يُقاس فقط بحجم الشركات، بل بكيفية تضافرها للسيطرة على الحصص السوقية والأسعار. وفي المغرب، تشير تقارير إلى أن مجموعة محدودة من المنتجين الكبار تُهيمن على إنتاج البيض، بينما تقوم موزعون رئيسيون بتوجيه التسويق والتوزيع، ما يحد من فرص المنافسة ويخلق حالة من الاستقرار الاصطناعي للأسعار المرتفعة.
هذه الحلقة المغلقة تشكل حاجزاً أمام دخول منافسين جدد وتضعف فرص المزارع الصغيرة في السوق، كما تعزز من فرص تحكم السماسرة في سعر البيع.
المستهلك هو الضحية: أزمة دخل وضغط متواصل
يُظهر استطلاع ميداني أن الأسر ذات الدخل المحدود في المغرب باتت تضطر إلى تقليص استهلاك البيض أو اللجوء إلى منتجات بديلة أقل جودة بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما ينعكس سلباً على تغذية الأسر، لا سيما الأطفال.
في المناطق الحضرية مثل الدار البيضاء ومراكش، يتراوح سعر البيضة بين 1.5 و2 درهم، في حين أن انخفاض تكاليف الأعلاف كان يجب أن يسمح بأسعار أقل من ذلك بكثير.
ماذا بعد؟ توصيات لمواجهة “حلقة السيطرة”
تشير المعطيات إلى أن كسر هذه الحلقة يتطلب إجراءات جريئة من الجهات الحكومية:
-
فتح تحقيق شامل وشفاف بمشاركة مجلس المنافسة والوزارة الوصية لمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار والتأكد من عدم وجود تواطؤ.
-
فرض رقابة صارمة على سلاسل التوزيع والقضاء على السماسرة الذين يرفعون الأسعار بشكل غير مبرر.
-
إعادة توجيه الدعم الحكومي بشكل يضمن وصوله إلى المنتجين الفعليين من جميع الأحجام، وليس فقط الكبار منهم.
-
تشجيع وتعزيز الشفافية في سوق الأعلاف من خلال نشر الأسعار والبيانات المتعلقة بالاستيراد والتوزيع.
-
دعم المزارع الصغيرة والمتوسطة وتمكينها مالياً وتقنياً لزيادة إنتاجها وتحسين قدرتها التنافسية.