من “المهاجر” إلى “المتَّهَم”: أفارقة جنوب الصحراء في مرآة العنصرية.. وشعار “المغرب للمغاربة” يهدد صورة بلد الاستقبال

0
223

الهجرة في المغرب: أزمة تدبير أم انكشاف اختلالات أعمق؟

لم تعد أحداث الصدام بين مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء وبعض المواطنين المغاربة مجرد وقائع عابرة، بل تحوّلت إلى مؤشرات دالة على هشاشة متنامية في تدبير ملف الهجرة واللجوء بالمغرب. هذه الصدامات، التي برزت بشكل مقلق في مناطق كإقليم اشتوكة أيت باها والدار البيضاء، كشفت عن حدود السياسات العمومية، وعرّت فراغات مؤسسية في التعامل مع ملف تضخّم بشكل غير متوقع منذ إعلان المغرب سنة 2014 تبنّي “سياسة جديدة للهجرة”.

ورغم أن الخطاب الرسمي المغربي لطالما تباهى بنموذجه “الإنساني والمتوازن” في استيعاب المهاجرين، إلا أن الواقع الميداني بدأ يظهر انزياحات خطيرة، ليس فقط في مظاهر الاحتقان الاجتماعي، بل أيضًا في تصاعد موجة عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو بصريح العبارة إلى ترحيل المهاجرين “السود”، مما يشكل تهديدًا ليس فقط للسلم الاجتماعي، بل أيضًا لصورة المغرب دوليًا.

من فشل السياسات إلى إنتاج الهشاشة الأمنية

تُبرز الشهادات الميدانية والحقوقية أن الإشكال لا يكمن في وجود المهاجرين في حد ذاته، بل في غياب استراتيجية مندمجة لاستيعابهم اقتصاديًا واجتماعيًا. فكما أشار عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، فإن “سياسة الهجرة واللجوء التي أُعلن عنها قبل عشر سنوات افتقرت إلى تدابير مصاحبة على الأرض، وأنتجت بؤرًا للهشاشة عوض الإدماج”. بل الأكثر من ذلك، أن عمليات “الترحيل الداخلي” التي مورست في الخفاء على المهاجرين من مدن محورية كطنجة والناظور إلى مدن أقل حساسية كالدار البيضاء أو تزنيت، زادت من تعقيد المشهد وأضعفت قدرات هذه المدن على الاستيعاب.

ومن المفارقات الصارخة أن البنية التحتية الاجتماعية لم تُؤهل للتعامل مع هذه التحولات الديمغرافية، حيث بقيت مراكز الإيواء في وضعية مهترئة، غير قادرة على استيعاب حتى المواطنين في وضعية هشاشة، فبالأحرى المهاجرين غير النظاميين.

الذاكرة القصيرة والعنصرية المؤجلة

في هذا السياق، حذّر الباحث في قضايا الهجرة خالد مونة من أن “توسع الخطابات العنصرية لن يبقى مجرد تعبيرات هامشية، بل قد يتحول إلى تيار له تأثير فعلي إذا لم يتم تدارك الوضع”. وهنا تبرز مفارقة أخرى: فالمغاربة، الذين يشكل مهاجروهم أحد أكبر الجاليات بإسبانيا وفرنسا وهولندا، لا يتقبلون “الآخر الإفريقي” الوافد إلى أراضيهم، بل يُمارَس ضده نوع من “العنصرية المقلوبة” التي تتغذى من شعور بالنقص تجاه الغرب، لكنها تُفرغ غضبها في المهاجر الإفريقي الفقير.

ولا يُخفى أن مثل هذه الخطابات تُلحق ضررًا جسيمًا بصورة المغرب، الذي حاول خلال السنوات الأخيرة ترسيخ مكانته كشريك محوري في التعاون جنوب-جنوب، وكمركز عبور مستقر للهجرة نحو أوروبا. إذ كيف يمكن لهذا الطرح أن يصمد أمام واقع تُنتهك فيه كرامة المهاجر في الشارع، ويُحرّض ضده إعلاميًا دون رد فعل مؤسسي واضح؟

الحاجة إلى تشخيص بنيوي وسياسة قائمة على الأدلة

تتفق أصوات حقوقية وأكاديمية على ضرورة إعادة تقييم شاملة لسياسة الهجرة المغربية، انطلاقًا من تشخيص علمي، يدرس ليس فقط أعداد المهاجرين ومساراتهم، بل أيضًا دوافع هجرتهم وأثر وجودهم على الاقتصاد المحلي، والتوازنات الاجتماعية داخل المدن المضيفة.

ويُطرح هنا سؤال محوري: لماذا لم تستثمر الحكومة في وضع سياسات إدماج فعالة؟ وما موقع المهاجرين في الاستراتيجيات التنموية الجهوية والمحلية؟ وكيف تُوزع الموارد بين المواطنين والفئات الوافدة في إطار من العدالة الاجتماعية؟

نحو تجاوز ردود الفعل العاطفية

لا يكفي أن تُستنكر العنصرية لفظيًا، بل المطلوب اليوم هو استباق الأزمات عبر سياسات استباقية:

  • تقوية البنيات الاجتماعية في المدن المستقبِلة للمهاجرين؛

  • إدماج المهاجرين في سوق الشغل عبر برامج تأهيل مدروسة؛

  • تعزيز حضور المجتمع المدني في الوساطة بين المهاجرين والسكان؛

  • فرض ضوابط أخلاقية على الخطاب الإعلامي والسياسي للحد من الكراهية.

كما أن المبادرة الملكية الأخيرة، التي فتحت مراكز مؤسسة محمد الخامس أمام الفئات الهشة، يمكن أن تُشكّل أرضية انطلاق جديدة، شرط ألا تُفرغ من مضمونها الاجتماعي، وألا تقتصر على تقديم المساعدة بل تتجه نحو تمكين حقيقي اقتصادي وإنساني.

خاتمة: بين ما نريده وما نمارسه

يبدو المغرب اليوم واقفًا أمام مفترق طرق: إما أن يواصل تبني خطاب إنساني منفتح دون ترجمة ميدانية حقيقية، أو أن يجرؤ على إعادة بناء سياسات الهجرة على أسس واقعية، عادلة، وتراعي توازنات المجتمع واستقراره.

المعادلة صعبة، لكنها ضرورية: أن تكون إنسانيًا بلا تعاطف ساذج، وأن تكون حازمًا دون أن تسقط في التمييز أو التجريم الجماعي.

ما نعيشه اليوم ليس أزمة مهاجرين فقط، بل أزمة سياسة، وامتحان لمدى انسجام المبادئ المعلنة مع الممارسات اليومية.