من جرادة.. هل ترسم بنعلي ملامح عقد اجتماعي جديد للمجالات المنجمية؟

0
108

في مدينة جرادة التي شكّلت لعقود عنواناً للألم المنجمي ومختبراً للاحتجاجات الاجتماعية، أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، عن حزمة إجراءات وإصلاحات بدت – في ظاهرها – تقنية وإجرائية، لكنها في العمق قد تحمل ملامح مشروع أكثر طموحاً: عقد اجتماعي جديد مع المناطق المنجمية.

المنصة الرقمية للفحم: الشفافية أولاً؟

من بين أبرز ما أعلنت عنه الوزيرة، إعداد منصة رقمية لتسويق الفحم، في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى الشفافية، وربما الضبط المؤسساتي لنشاط كان لعقود خارج رقابة الدولة. فهل نحن أمام بداية تفكيك اقتصاد الظل المنجمي؟ أم هي محاولة لبسط اليد الرسمية على مورد محلي حساس؟ وهل تواكب هذه الرقمنة إصلاحات اجتماعية تحمي الفاعلين المحليين وتمنحهم موقعًا فعليًا في منظومة القيمة المضافة؟

قانون المناجم.. أي عدالة مجالية ممكنة؟

مشروع تعديل القانون 33.13 المتعلق بالمناجم، الذي كشفت الوزيرة عن ملامحه، يثير تساؤلات حول حدود الاستجابة للتحديات المحلية في جرادة وغيرها من مناطق “الهامش المعدني”. فهل يكفي إدراج مقتضيات خاصة بالإقليم لضمان عدالة مجالية؟ وماذا عن ضمانات التنفيذ في بيئة لا تزال تعاني من ضعف البنيات والمراقبة؟

الرهان، كما تقول بنعلي، هو تسهيل الاستثمار وربط التشغيل بأبناء المنطقة، وتفعيل مراقبة السلامة المهنية، لكن الواقع يفرض طرح سؤال أعمق: هل نملك الآليات المؤسساتية الكفيلة بتحويل هذا الطموح إلى ممارسة؟ وهل ستصمد هذه الإصلاحات أمام البيروقراطية والمقاومات التقليدية؟

من الطاقات المنهكة إلى الطاقات المتجددة؟

الوزيرة أعلنت أيضًا عن مشروع محطة شمسية بقدرة 3 ميغاواط لفائدة المتضررين من مرض السيليكوز، وهو إعلان يحمل رمزية مزدوجة: تحول من استغلال طاقة أنهكت الأجساد، إلى طاقة متجددة موجهة للتنمية والصحة. لكن هل يكفي هذا المشروع الرمزي – على أهميته – لمداواة جراح جماعية عميقة في نسيج جرادة الاجتماعي؟ وهل ستُستثمر مثل هذه المبادرات لبناء نموذج طاقي جهوي يضمن الإنصاف الطاقي؟

هل يتحقق الوعد التنموي أخيراً؟

من خلال الشراكات المعلنة مع وكالة “مازن” ومؤسسات الدولة والجهة، يبدو أن الحكومة تتجه نحو نمذجة تدخلها في المناطق المنجمية على أسس جديدة: الرقمنة، التشاركية، العدالة البيئية، وتحفيز الاقتصاد المحلي. لكن يظل السؤال المركزي: هل نتحدث عن تصور استراتيجي مستدام أم مجرد عملية تجميل لإخماد نار المطالب الاجتماعية؟

جرادة التي طالما مثّلت “إنذارًا مبكرًا” للدولة، تبدو اليوم أمام مفترق طرق: إما الدخول في مرحلة جديدة من التمكين الفعلي، أو إعادة إنتاج الهشاشة تحت مسميات جديدة.

في النهاية.. هل ما يحدث في جرادة هو استثناء تنموي؟ أم بداية تفكير رسمي جديد في العلاقة مع المغرب المنجمي العميق؟