في مشهد قضائي يتجاوز أبعاده القانونية إلى نقاش مجتمعي أعمق، قررت المحكمة الزجرية ببرشيد تأجيل النظر في قضية الشاب المتهم بصدم الطفلة “غيثة” إلى الأسبوع المقبل، ما أطلق موجة من التفاعلات حول التكييف القضائي للملف، والخطاب الدفاعي الذي أثار بدوره أسئلة حول تمثلات “الامتياز الطبقي” أمام العدالة.
ورغم أن الجلسة لم تُفضِ إلى قرارات جوهرية، إلا أن تصريحات الدفاع، الذي نفى صفة “ولد لفشوش” عن موكله، دفعت بالقضية إلى واجهة نقاش عام يتجاوز الفعل الجنائي نحو مساءلة منظومة العدالة الاجتماعية والإدراك الجمعي للتمييز المحتمل في معالجة القضايا التي تتورط فيها فئات يُنظر إليها على أنها تنتمي إلى طبقات ميسورة.
عندما تتقاطع الوقائع القانونية مع السياقات الاجتماعية: هل تكفي الحيثيات التقنية؟
تصريحات محامي المتهم، بأن موكله من “عائلة متوسطة” وأنه “ليس كل من يمتلك سيارة وجيتسكي هو من الأغنياء”، تسعى لتفكيك صورة نمطية رُوّج لها على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن هذا الدفاع يطرح سؤالاً أكبر: هل العدالة في المغرب اليوم تواجه ضغطاً غير مسبوق من الرأي العام في تصنيف القضايا ضمن فئة “محاباة الأغنياء” أم “قساوة على الفقراء”؟
ما وراء المصطلحات: “ولد لفشوش” كمفهوم سياسي واجتماعي
المصطلح الشعبي “ولد لفشوش”، الذي طفا إلى السطح خلال السنوات الأخيرة، لا يُستخدم فقط لوصف الرفاهية، بل بات يُرمز به إلى الإفلات من العقاب بسبب النفوذ أو المال أو العلاقات العائلية.
فهل نحن أمام حالة من استباق الأحكام من طرف الجمهور؟ أم أن الرأي العام المغربي بات يرى في القضاء آخر معاقل التوازن، في ظل فشل عدد من مؤسسات الوساطة في كسب ثقته؟
النيابة العامة… والتوازن بين ضمانة المحاكمة العادلة والردع الرمزي
رفض النيابة العامة ملتمس السراح المؤقت يشير إلى وعي بالثقل الرمزي الذي تمثله هذه القضية. فهل تسعى النيابة لطمأنة الرأي العام بشأن حيادية التعامل مع المتهم؟ أم أن القضية أصبحت عبئاً سياسياً على القضاء، الذي يجد نفسه محاصراً بين ضغط الشارع ومتطلبات المحاكمة العادلة؟
مقاربة الضحية والمتهم: ماذا عن الطفلة غيثة؟
رغم تركيز وسائل الإعلام على مرافعات الدفاع، فإن الطفلة غيثة – الضحية – تغيب تدريجياً عن النقاش الإعلامي. ما الذي يخبرنا هذا الغياب عن مقاربة حقوق الأطفال في مثل هذه الحوادث؟
وهل يكفي أن يتكفل الجاني المفترض بمصاريف العلاج لنقول إن هناك “نية حسنة”، أم أن العدالة يجب أن تشتغل وفق منطق حقوقي لا عاطفي؟
السياق المغربي والدولي: هل يعيد هذا الحادث إحياء النقاش حول التمييز الطبقي في القضاء؟
بحسب تقارير وطنية ودولية (مثل تقارير “هيومن رايتس ووتش” والبنك الدولي حول العدالة)، فإن الشفافية، واستقلال القضاء، والمساواة أمام القانون تبقى من القضايا التي تثير الجدل في بلدان الجنوب، ومنها المغرب.
فهل تستفيد الطبقات الميسورة من “مرونة قانونية” في مثل هذه الملفات؟ وهل يكفي القول إن القضاء مستقل دون توفير آليات مراقبة علنية وتقييم دوري لتكافؤ الفرص في الإجراءات القضائية؟
خلاصة تحليلية: عدالة بين القانون والانطباع
قضية الطفلة غيثة، بغض النظر عن مآلها القضائي، تحولت إلى مرآة قلقة لعلاقة المواطن المغربي بعدالته. هي ليست فقط قصة طفل صدمته سيارة في شاطئ، بل اختبار حيّ لكيفية إدراك المجتمع لمفهوم المحاسبة والمساواة. فهل تكون هذه المحاكمة مناسبة لإعادة الاعتبار لمبادئ “العدالة الاجتماعية” في بعدها القانوني؟ أم أنها ستبقى حلقة إضافية في سردية عدم الثقة المتزايدة في المؤسسات القضائية؟