في تدوينة مثيرة للجدل، كشف عبد العلي حامي الدين، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، عن “اصطدام زخم الإصلاح الذي قاده الحزب بجهات داخل السلطة والإدارة وجماعات مصالح”، ملقياً الضوء على معضلة تاريخية في التجربة السياسية للحزب: هل فشل “البيجيدي” في تحقيق إصلاحاته بسبب مقاومة النظام، أم بسبب قصور داخلي؟
أزمة الإصلاح في مغرب الواقع: حين يصطدم مشروع “البيجيدي” بجدار السلطة والمصالح
في لحظة مراجعة سياسية عميقة، خرج القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العلي حامي الدين، ليعيد تسليط الضوء على تجربة حزبه في تدبير الشأن العام من موقع قيادة الحكومة، ويكشف عن رواية من الداخل لما يعتبره الحزب “إجهاضًا متعمدًا لمشروع إصلاحي” بدأ في 2011، وبلغ ذروته خلال قيادة عبد الإله بنكيران، قبل أن يُكسر زَخَمه تدريجيًا بفعل ما يسميه “مقاومة من داخل الدولة”.
من مصالحة سياسية إلى مواجهة صامتة
يقول حامي الدين إن العدالة والتنمية لم يأت بتصور شامل للانتقال الديمقراطي، لكنه اجتهد في التكيف مع منطق الدولة وإكراهات التدبير، محاولاً تحقيق التوازن بين الإصلاح والاستقرار. نجاحات في تدبير الشأن المحلي، ضبط للمالية العامة، انفتاح على الفرقاء، و”مصالحة” بين المواطن والسياسة… كلها مكتسبات يعتبرها الحزب إنجازًا ملموسًا، خصوصًا في ظل ما يصفه بـ”الهشاشة الديمقراطية البنيوية”.
لكن سرعان ما واجه هذا المسار – حسب حامي الدين – جدارًا صلبًا من داخل السلطة وبعض مفاصل الدولة، إضافة إلى جماعات مصالح اقتصادية وإعلامية سعت – وفق قوله – إلى شيطنة الحزب وعرقلة رموزه عبر حملات إعلامية ممنهجة.
أسئلة جوهرية: من يحكم فعلاً؟ وأين تقف حدود القرار السياسي؟
في سياق حديثه، يُلقي حامي الدين حجراً ثقيلاً في مياه السياسة المغربية الراكدة:
“هل يمكن قبول تدخل السلطة حين يكون في صالح طرف سياسي ورفضه حين لا يكون كذلك؟”
بهذا السؤال المفصلي، يكشف القيادي عن الخلل الأكبر في المعادلة السياسية المغربية: غياب حياد السلطة، وعدم تكافؤ الفاعلين السياسيين أمام مؤسسة القرار.
تجربة تشكيل الحكومة الثانية لبنكيران سنة 2016، المعروفة بـ”البلوكاج”، كانت وفق حامي الدين لحظة كاشفة، حيث تحركت السلطة – من وجهة نظره – لتفكيك تحالف سياسي وازن (العدالة والتنمية + التقدم والاشتراكية + الاستقلال)، وتعويضه بتحالف وظيفي هدفه تطويق الإصلاح من الداخل.
فهل كانت تلك مجرد صدف انتخابية؟ أم قرارًا سياسيًا استراتيجياً بإنهاء تجربة البيجيدي كفاعل مركزي في الحكم؟
الإعلام والمال السياسي: معركة غير متكافئة
يشير حامي الدين أيضًا إلى تحالف غير معلن بين المال السياسي والإعلام المُوجَّه، الذي لعب – حسب رأيه – دورًا كبيرًا في إضعاف صورة الحزب عبر “حملات تشويه ممنهجة”، بل ويُلمح إلى خضوع جزء من الصحافة لسلطة الإشهار، بما يجعلها أداة رقابة ذاتية على الصحفيين، حتى داخل بعض المنابر المستقلة.
هذه الملاحظة تطرح سؤالًا بالغ الأهمية:
كيف يمكن لإعلام غير حر أن يساهم في بناء ديمقراطية سليمة؟
وإذا كان الإعلام جزءًا من معركة سياسية تُحسم خارج المؤسسات، فهل ما نعيشه هو تعددية حقيقية أم مجرد تنوع شكلي داخل نظام مغلق؟
إصلاح السياسة من داخل النسق.. هل هو ممكن؟
تجربة “البيجيدي” تضعنا أمام مفارقة لافتة: هل يمكن لأي حزب أن يُصلح الدولة من داخل بنيتها العميقة، دون أن يكون مهيكلاً بعقيدة إصلاحية واضحة، ودون حماية دستورية حقيقية لاستقلال القرار السياسي؟
من جهة، يفتخر الحزب بما يصفه بـ”نجاحات انتخابية نزيهة” في 2015 و2016، ومن جهة أخرى، يُقر بأن السلطة كانت – ولا تزال – متدخلة في إدارة الحياة السياسية، بما يُفرغ الانتخابات من مضمونها الحقيقي.
هذا يعيد إلى الواجهة سؤالًا أعمق:
هل نحن أمام “ديمقراطية انتخابية” أم “حكم مُقنّع” تُحسم فيه المعارك السياسية خارج صناديق الاقتراع؟
خاتمة: ما العمل؟
ما قاله حامي الدين ليس مجرد تقييم حزبي لتجربة سياسية انتهت بخسارة مدوية في 2021، بل هو – في العمق – تشخيص لنقطة اختناق في النموذج المغربي: محاولة الجمع بين الاستقرار والتحكم من جهة، وتغليف ذلك بقشرة إصلاح من جهة أخرى.
إن بناء ديمقراطية حقيقية – كما يؤكد حامي الدين – لن يكون ممكناً ما لم تتحرر السلطة من منطق التحيز السياسي، وتحافظ على مسافة واحدة من الجميع. فـحياد الدولة ليس ترفًا سياسيًا، بل شرطًا أساسيًا لأي إصلاح حقيقي.