من رمح مانديلا إلى بوابة الصحراء: صحوة إفريقية تعيد الاعتبار للمغرب ووحدته الترابية

0
378

تحليل صحافي استراتيجي – بقلم مستلهم من مقال الوزير الأسبق عزيز رباح

لم يكن موقف حزب “رمح الأمة” – أحد رموز التحرر الإفريقي الذي أسسه نيلسون مانديلا ويقوده اليوم الرئيس السابق لجنوب إفريقيا جاكوب زوما – مجرد تعبير سياسي عابر في نزاع إقليمي، بل إعلان استراتيجي يكشف عن تحول عميق في الوعي الإفريقي تجاه قضية الصحراء المغربية، ويعيد ترتيب خرائط الولاء والمبادئ في إفريقيا ما بعد التحرر.

في وثيقة معنونة بـ**”شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتحرر الاقتصادي والسلامة الترابية”**، أطلق الحزب قذيفة سياسية في قلب الحياد التقليدي أو المواقف المعادية، معلناً دعمه الكامل لمغربية الصحراء، واعتباره مبادرة الحكم الذاتي الحل الواقعي الوحيد لهذا النزاع المفتعل.

قراءة استراتيجية لمغزى الموقف

هل نحن أمام تغير جذري في تموقع جنوب إفريقيا تجاه المغرب؟ وهل يمكن اعتبار هذا الموقف نواة لتحالف إفريقي جديد مبني على الواقعية السياسية بدل الشعارات الإيديولوجية البالية؟ ثم، ماذا يعني هذا بالنسبة للنفوذ الجزائري الذي طالما استثمر في خلق اصطفافات ضد الوحدة الترابية للمغرب؟

الأكيد أن الوثيقة لا تكتفي بإعلان الدعم، بل تستعيد ذاكرة التحرر الإفريقي التي طالما حاول البعض طمسها. فالمغرب، كما تذكر الوثيقة، كان أول من دعم حزب “رمح الأمة” في بداية الستينات في نضاله ضد نظام الأبارتهايد، وهو دعم لم يكن رمزياً فقط بل عملياً: مالياً، عسكرياً، ودبلوماسياً.

اليوم، تعود عجلة التاريخ لتُبرز ما كان في طيّ النسيان أو التجاهل، ضمن ما يمكن تسميته بـ**”رد الجميل التاريخي المعزز بالموقف المبدئي”**.

نحو هندسة جديدة للوحدة الإفريقية

ما يُضفي على الموقف طابعه الاستراتيجي هو الربط بين دعم مغربية الصحراء وبين الدفاع عن وحدة جنوب إفريقيا نفسها، والتحذير من مشاريع الانفصال التي تهدد القارة. الحزب يضع وحدة الدول الإفريقية كخط أحمر، ويرى أن النزاعات الانفصالية ليست سوى امتدادات لأدوات استعمارية تم إعادة تدويرها بواجهات جديدة.

أكثر من ذلك، لم يتوقف الدعم عند الشق السياسي بل امتد إلى دعوة لإبرام شراكة استراتيجية شاملة بين المغرب وجنوب إفريقيا، تشمل قطاعات حيوية كالبنية التحتية، والطاقة، والفلاحة، والتحول الرقمي، إضافة إلى التنسيق الدبلوماسي، والتعاون الأمني، والتبادل الثقافي. إنها، باختصار، دعوة لتجاوز قوالب الماضي، وإعادة تشكيل تحالفات القارة على أساس المصالح والمبادئ، لا الإيديولوجيا والتحكم الخارجي.

ما وراء الاعتراف… هل تغيرت قواعد اللعبة؟

من كان يتخيل أن أحد أعرق الأحزاب في جنوب إفريقيا، والتي لطالما وُضعت في خانة المعسكر المعادي لوحدة المغرب، سيخرج اليوم بوثيقة كهذه؟ هل هي صحوة نخب، أم ثمرة تحول جيوسياسي أعمق تعيشه إفريقيا في ظل الفشل الذريع لخطابات “الشراء” و”الإقناع الإيديولوجي”؟

وهل استطاع المغرب عبر دبلوماسيته الهادئة، وعبر انتصاراته المتراكمة من واشنطن إلى مدريد وصولاً إلى داكار وكيغالي وبريتوريا، أن ينقل الصراع من مستوى المواقف الظرفية إلى مستوى إعادة تفسير التاريخ المشترك؟

المؤكد أن إفريقيا اليوم لم تعد القارة الساذجة التي تباع فيها المواقف مقابل دعم سياسي أو امتياز تجاري. إنها قارة تبحث عن ذاتها، عن سيادتها، عن وحدة شعوبها، وعن إعادة كتابة سرديتها التاريخية بمعزل عن الضغوط الاستعمارية القديمة والجديدة. وهذا ما يجعل موقف “رمح الأمة” أكثر من موقف، بل بداية تحول.

في الختام: انتصار مغربي هادئ… واستراتيجية تتقدم بصمت

هذا التحول ليس وليد اليوم، بل نتيجة تراكمات استراتيجية مغربية في العمق الإفريقي، استثمرت في الإنسان، في التنمية، وفي بناء التحالفات على قاعدة رابح-رابح. وها هي إحدى ثمارها تتجلى في أهم معقل مناوئ، ليكون الاعتراف ليس مجرد بيان سياسي، بل ترميم لذاكرة تاريخية ومصالحة بين من قاوم الاستعمار معاً.

أمام هذا التحول، يبقى السؤال المفتوح:

هل بدأت إفريقيا التحرر الجديد من استعمار آخر: استعمار المواقف المصطنعة والتاريخ المحرّف؟
وهل يمثّل الموقف الجديد لحزب “رمح الأمة” انطلاقة لثورة وعي إفريقية جديدة ستغير قواعد اللعبة في ملف الصحراء… وفي مستقبل القارة بأسرها؟

(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).