“من زمن الشهداء إلى زمن الصمت: الإضراب في قبضة القانون بين نضال الاستقلال وأسر البيروقراطية”

0
64

بين الوعود بحماية الحقوق وتقييد الحريات النقابية: قراءة تحليلية في تقرير عبد الرحيم الرماح

بعد قرن كامل من النضالات الدموية التي سقط فيها شهداء من أجل تكريس حق الإضراب كأداة لحماية حقوق العمال، يأتي القانون التنظيمي رقم 97.15 ليُعلن بداية “عصر جديد” من “المُسايرة المقننة”. ولكن، هل فعلاً نشهد تنظيمًا حقيقيًا لهذا الحق أم أن هذا القانون هو بداية نهاية لحق الإضراب كما عرفناه؟

التقرير الشامل الذي أعده عبد الرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية، يفتح جرحًا عميقًا ويكشف عن تناقض صارخ: خطاب الدولة الذي يروج لـ”حماية الحقوق” يقابله واقع يُقيد الحريات النقابية.

فهل ننتقل إلى تقنين يحمي المكتسبات؟ أم أننا نعيش “وأدًا مقنّعًا” لحق تاريخي؟

إطار قانوني جديد أم بوابة للتضييق؟

صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2025، الظهير الشريف رقم 1.25.34 القاضي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. سيدخل القانون حيز التنفيذ بعد ستة أشهر، لكنه لم يمر مرور الكرام.

لماذا يُطرح اليوم؟ ولمصلحة من؟

جاء بعد سنوات من الإضرابات الاجتماعية والاحتجاجات المطلبية، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات حرجة حول توقيته ومضامينه.

قراءة تاريخية: من المعركة ضد الاستعمار إلى المعركة ضد التقنين؟

في تقريره، يعود عبد الرحيم الرماح إلى الجذور: من زمن الاستعمار، حين كانت السلطات الفرنسية تحظر أي نشاط نقابي، إلى مرحلة ما بعد الاستقلال التي شهدت تحولات كبرى قادتها الطبقة العاملة.

الإضراب في المغرب لم يكن فقط أداة لتحسين الأجور، بل كان أيضًا رافعة سياسية في وجه الاستبداد، ووسيلة لبناء مسار ديمقراطي متعدد الأصوات. فلماذا إذًا يتم تأطيره اليوم بقيود قانونية قد تُفرغه من مضمونه؟

تقنين أم عرقلة؟ الرؤية من زاوية الحقوق

يشير التقرير إلى أن القانون الجديد، في ظاهره، تنظيمٌ للإضراب، لكن في عمقه، هو تطويق محكمٌ لوسائل الاحتجاج.

العملية لم تعد تتعلق فقط بإعلام الإدارة أو التفاوض، بل تشمل شروطًا وإجراءات تجعل من الإضراب معركة بيروقراطية قبل أن يكون نضالاً اجتماعياً.

هل نحن أمام تجريم مبطن للإضراب؟ أم أمام مسار قانوني يهدف إلى إفراغ الحق من مضمونه؟

أبعاد اقتصادية وسياسية مشبوهة

في القسم الأكثر إثارة من التقرير، يُحلل عبد الرحيم الرماح خلفيات هذا القانون في ظل ضغط اقتصادي واضح.

هل الهدف حماية الاستثمار والاستقرار الاقتصادي، أم إسكات الأصوات العمالية الغاضبة؟
وهل الأزمة الاقتصادية تُبرر تقليص الحقوق النقابية؟

الرماح يربط هذا القانون بمسار ما بعد “حراك 2011″، ويحذر من “ارتداد ناعم” عن مكاسب الحريات، تحت شعار “الحوكمة” و”الإصلاح”.

تساؤلات مركزية تفرضها اللحظة

  1. هل سيؤدي القانون إلى تقييد فعلي للحق في الإضراب؟ رغم أن الهدف المعلن هو التنظيم، إلا أن شروطه البيروقراطية قد تجعل الإضراب غير ممكن عمليًا.

  2. ما مصير الحركة النقابية؟ هل يتحول القانون إلى أداة لاحتواء النقابات، أم إلى فرصة لإعادة التفاوض على أسس جديدة بين الدولة والتمثيليات الاجتماعية؟

  3. ما دور الحكومة والنقابات في مرحلة ما بعد القانون؟ هل تتجه النقابات إلى التصعيد أم إلى التكيّف؟ وهل ستبني الحكومة جسور الثقة أم تصرّ على فرض القانون بالأمر الواقع؟

  4. من يمول الحوار الاجتماعي؟
    وهل تُستخدم أموال دافعي الضرائب في صفقات لشراء صمت بعض النقابات المهادنة؟

  5. هل هناك نية لاستثناء قطاعات استراتيجية مثل الفوسفات والطاقة؟ وهل يكرّس ذلك منطق “التمييز في الحقوق” بين المواطنين؟

تحليل ختامي: هل نحن أمام تنظيم ضروري أم تهديد استراتيجي؟

القانون 97.15 لا يمكن فصله عن سياق إقليمي يتجه نحو ضبط الحريات تحت غطاء “الإصلاح الاقتصادي”. لكنه في الحالة المغربية، يأتي بعد عقود من النضال، ويطرح مفارقة خطيرة: هل باتت النقابات ضحية لنجاحاتها السابقة؟

التاريخ يؤكد أن تقييد حرية الإضراب لا يُنتج السلم الاجتماعي، بل يُنتج الغليان غير المنظم.

التقرير يُنذر بخطر حقيقي: إذا تحول الإضراب من حق قانوني إلى نشاط مُجرَّم أو معرقل، فإننا نفتح الباب أمام انفجارات اجتماعية غير متوقعة.

خاتمة نارية: هل نعيش استقلالاً حقيقياً أم مزيفاً؟

التقرير يكشف أن القانون الجديد ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من “التطويق الذكي” للحريات النقابية.

إذا كان الإضراب قد ساهم في تحقيق الاستقلال، فهل يصبح اليوم ضحية لـ”استقلال مزيف” تُسيطر فيه الدولة على كل أدوات التغيير؟

التاريخ يحذرنا: عندما تُحاصر النقابات، تتحول الاحتجاجات من “إضرابات منظمة” إلى “انفجارات اجتماعية”. فهل نتعلم من الدرس… أم نعيد الكارثة؟