من سطات إلى خارطة الأمن الغذائي: هل نحن أمام تحول في هندسة تربية الماشية بالمغرب؟

0
214

في زمن تتزايد فيه تحديات الأمن الغذائي بفعل التغيرات المناخية وتقلبات الأسواق الدولية، تعود مدينة سطات لتتحول إلى منصة نقاش وتعبئة حول مشروع طموح يحمل أكثر من دلالة: توحيد تعاونيات التقنيين في التلقيح الاصطناعي. فهل يتعلق الأمر بمبادرة مهنية عادية؟ أم أننا أمام نواة لتحول استراتيجي في البنية الفلاحية المغربية، خصوصاً في ما يتعلق بتربية القطيع وإنتاج اللحوم والألبان؟

الملكية في صلب التوجيه: رؤية مستدامة تتبلور

اللقاء، الذي جاء امتداداً لإطلاق الاتحاد بمدينة الجديدة، يأتي في انسجام تام مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي لطالما أكد في خطبه على ضرورة تأهيل القطاع الفلاحي وتثمين الإمكانيات القروية، من منطلق اعتباره رافعة للعدالة الاجتماعية ومفتاحاً لتحقيق السيادة الغذائية. غير أن السؤال الأهم يظل: إلى أي مدى ستنجح هذه المبادرة في ملء الفراغات المؤسساتية التي طالما أعاقت تحديث القطاع؟

ما وراء التلقيح الاصطناعي: هل نحن أمام نقلة نوعية أم مجرّد تكتل مهني؟

المشروع، في عمقه، يتجاوز الأبعاد التقنية المباشرة. فالرغبة في توحيد تقنيات التلقيح الاصطناعي، وتكوين المربين، وتحسين الجودة الوراثية، لا تعني فقط رفع المردودية، بل فتح نقاش حقيقي حول النموذج الإنتاجي السائد، وإعادة طرح أسئلة كبرى:

  • كيف نعيد الاعتبار للفلاح الصغير في سلاسل القيمة؟

  • وهل تواكب الدولة فعلياً تحولات القطاع من حيث التمويل والتأطير؟

  • وكيف يمكن حماية هذه المبادرات من اختراقات الريع والبيروقراطية؟

سطات كمختبر اجتماعي وتنموي: أي دور للجهات في تنزيل السياسات الوطنية؟

تفاعل الفاعلين المحليين بمدينة سطات مع المبادرة يعكس رغبة جهوية في المساهمة الفعلية في المشروع التنموي الجديد. غير أن التجارب السابقة تُحيل إلى إشكال محوري: الجهوية لا تزال في كثير من الحالات دون صلاحيات حقيقية ولا تمويل كافٍ. فهل يستطيع هذا الاتحاد أن يكون نموذجاً ناجحاً للامركزية الفلاحية؟ أم أنه سيصطدم بحدود البنية الإدارية التقليدية؟

في أفق الشراكة والابتكار: هل يُعَدّ القطاع الخاص شريكاً استراتيجياً أم منافساً صامتاً؟

من بين رهانات الاتحاد المقبلة إحداث مراكز جهوية، إطلاق حملات تحسيسية، وإبرام شراكات مع معاهد البحث والقطاع الخاص. هنا، يطفو سؤال حاسم: هل يستطيع الاتحاد فرض نفسه كمحاور موثوق وقادر على حماية مصالح المربين في علاقة غير متكافئة مع الفاعلين الكبار؟وهل هناك نية حقيقية لدى الفاعلين الاقتصاديين لإدماج البعد الاجتماعي في سلاسل الإنتاج، بدل تعميق منطق السوق فقط؟

ختاماً: أي نموذج فلاحي لمغرب 2030؟

هذا المشروع لا يجب أن يُقرأ فقط في ضوء اللحظة، بل في سياق التحولات العميقة التي يشهدها المغرب بين النموذج التنموي الجديد، واستراتيجية الجيل الأخضر، وتحديات السيادة الغذائية في عالم متقلب.

فهل سيكون اتحاد تعاونيات التقنيين في التلقيح الاصطناعي مجرد مبادرة عابرة؟ أم أنه يُمهّد لبنية مؤسساتية مهنية جديدة، تعيد رسم خريطة السلطة داخل العالم القروي؟

الأسئلة مفتوحة، لكن ما هو مؤكد أن التحدي اليوم لم يعد فقط تقنياً أو إنتاجياً، بل سيادياً وتنموياً بامتياز.