من سلبيات عبادة الدرهم الأبيض…

0
686

المكي أبو الشمائل : كاتب وشاعر مغربي

آه ثم آه، كم تأثم الأسرة بجورها في تعاملها الجائر مع من لا نصيب له من مال داخلها، بل كم تغدر الأسر بابنها المسكين أو بابنتها المسكينة إذا وجد بين ظهرانيها أحد الطرفين، أى إذا كان يعيش داخلها من لا دخل له ولاحظ له من اعتبار !

عندما صرفت 250000 درهم على أمك رحمها الله لتنقذي حياتها وتنقذيها من جشع الأطباء، أين كان أبوك وإخوتك وأخواتك ليساهموا في مصاريف علاج تلك المرأة المريضة التي راحت ضحية إهمال بغيض من هؤلاء وجشع أولئك داخل مؤسسة استشفائية يحرم فيها هذا السلوك؟

وعندما توصلت بمبلغ 32000 درهم وصرفته كله كاملا غير منقوص على ابيك إثر إصابته بالجلطة الدماغية AVC، أين كان أخوتك وأخواتك ليساهموا أيضا بنصيبهم في المصاريف الخصة بعلاج أبيك؟ وأين كان ضمير أبيك هذا الذي تنكر لك مباشرة بعد ذلك، ولازال متنكرا لك حتى الآن من غير موجب، كأنك لست من صلبه؟

فقد أنكرك كل هؤلاء جميعا، وتفننوا في التنكر لك، لأنهم يجهلون عقيدة الإسلام التي تنص على ضرورة رعاية الأسرة، وضرورة التكافل الاجتماعي كذلك خارج الأسرة.

إنهم، واأسفاه، تنكروا كلهم- بمن فيهم أبوك- لمكارم الأخلاق، بعد أن ضربوا بها عرض الحائط… مكتفين بعبادة الدرهم، والدرهم وحده !

فلا جرم أن عبادتهم الدرهم، كما نرى، هي التي جعلتهم يعاملونك بلا هوادة ولا شفقة ولا رحمة، ومن غير أن يقيموا لك وزنا، كأنك أجنبية بينهم، أو تكادين تكونين في أعينهم كذلك.

وهذا السلوك الردئ رداءة ما لا يشبه هذه في ذلك، والمتعارض مع المودة في القربى، والمنافي لعلو الهمة هو ما سماه الفيلسوف د. زكي نجيب محمود ب” غربة الروح بين أهلها “، وإن كانت أسباب هذه الغربة مختلفة بعض الشىء عند كلينا.

فشاهدوا إذن معي في هذا المضمار جميع أصناف التقزز والخسة والنذالة وهي ذاهبة بكم إلى حد الشعور بالسخط وبالغثيان… وهلم جرا، وكل ذلك من أنواع السلوك المرذول يوحي لنا بأننا هنا إزاء قيم مهترئة مريضة لا تلييق بالمسلمين، إن كان هؤلاء حقا مسلمين.

فهل ترى هؤلاء كانوا سيعاملونك بإهمالهم المقيت لك اليوم لو كان لك دخل محترم يرونه باستمرار على شكل مصروف يومي يطعمهم، وكان لك رصيد بنكي معلوم يرونه كلهم منك إنفاقا عليهم بسخاء؟

كلا، بل إن هؤلاء كانوا سيحيطونك، كالمنتظر في دنيا الناس الذين تأسرهم زهرة الحياة الدنيا وزخرفها، بالحدب الكبير المتواصل، ويعاملونك بالاهتمام التام كاهتمامهم بذلك الدرهم الذي يعبدونه ولا يريدون عنه بديلا، مسبحين بحمده بكرة و وعشيا !!

فكل هذه الأفكار القلقة والمعاني القاتمة رغم أنفي هي صلب الموضوع الذي تعالجه قصيدتي الشعرية المعنونة ب : امرأة تبكي أمها القتيلة “، والتي سأعمل على نشرها قريبا، إن شاء الله على صفحتي بقناة فايسبوك.

فإن وجد في هذا المقال المقتضب المنشور على شكل خطاب لشخصية وهمية ما يشبه بعض حيوات الناس، فمرد ذلك إلى الصدفة فقط بدل أن يكون ترجمة لإحدى هذه الحيوات.