من “صندالة الميكا” إلى فيلات الأثرياء: هل يهدد صوت الجمعيات الجادة مصالح نخبة سياسية تغتني من المال العام؟

0
442

في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى مؤسسات مدنية فاعلة تُراقب وتُحاسب وتحمي المال العام، فجّرت تصريحات وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، موجة جدل حاد، باتهامه لبعض رؤساء جمعيات حماية المال العام بممارسة “الابتزاز” و”الاغتناء غير المشروع”. لكن الرد لم يتأخر. فقد خرج محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، ليضع النقاش في سياقه الأعمق، متجاوزاً مجرد الرد الشخصي، إلى مساءلة جوهر العلاقة بين السلطة والرقابة المدنية، وسؤال الثروة ومصادرها.

ما الذي يُزعج السلطة من صوت جمعيات حماية المال العام؟

تغريدات الغلوسي، التي حملت لهجة احتجاج وفضح، لا تستهدف فقط تبرئة الذات، بل تكشف – بطريقة غير مباشرة – عن رغبة السلطة في تدجين المجتمع المدني وتطويعه، وإعادة تعريف “من يحق له أن يراقب” و”من عليه أن يلتزم الصمت”.

فهل أصبحت محاربة الفساد جريمة؟ وهل الرقابة الشعبية تُزعج السلطة إلى هذا الحد، لدرجة أنها تُردّ باتهامات تحت قبة البرلمان دون أدلة ولا مساطر قانونية؟

بين القانون والاتهام السياسي: من يحاسب من؟

الغريب أن وزير العدل – كما أشار الغلوسي – لم يلجأ إلى القضاء لتقديم شكاية ضد من يصفهم بـ”المبتزين”، رغم توفره على الوسائل القانونية والأمنية لذلك، وهو ما يطرح سؤالًا أخلاقيًا وقانونيًا: لماذا يتم توجيه الاتهامات من تحت قبة البرلمان بدل اللجوء إلى القضاء؟ أليس هذا استخدامًا غير لائق لمنصة تشريعية يفترض أن تكون فضاءً للنقاش السياسي لا محكمة اتهام غير رسمية؟

“صندالة الميكا” كرمز لانعدام تكافؤ الفرص

في واحدة من أبرز تغريداته، يستعرض الغلوسي مفارقة طبقية صادمة: من جهة شعبٌ فقير يُطحن في بؤس مزمن، ومن جهة أخرى سياسيون تحولوا من لا شيء إلى أثرياء، يسكنون الفيلات ويركبون السيارات الفخمة.

ويضع المحامي الحقوقي إصبعه على الجرح حين يقول: “لا أحد يسألهم عن مصدر ثروتهم لأنهم كانوا من المستثمرين أو أصحاب المهن، بل لأنهم لم يكونوا يملكون حتى ‘صندالة ديال الميكا’ وتحولوا إلى أثرياء بفعل تولي المسؤولية العمومية”.

فهل نعيش في دولة يُكافأ فيها الاستحواذ على المال العام بالجاه والسلطة، بينما يُتهم من يكشف الفساد بالابتزاز؟

هل يُراد إسكات من يطالب بتجريم الإثراء غير المشروع؟

الغلوسي لا يكتفي بالتشخيص، بل يقدم موقفًا مبدئيًا: من يملك أدلة ضدنا فليتجه إلى القضاء، لا إلى التلميحات السياسية. وفي هذا السياق، يربط بين الفساد ومطلب طالما تم تجاهله من قبل السلطة التشريعية والتنفيذية: تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.

فلماذا تأخرت مشاريع القوانين في هذا الباب؟ ومن المستفيد من الفراغ التشريعي الذي يسمح بتراكم الثروات المشبوهة بلا مساءلة؟

في قلب النقاش: مستقبل الديمقراطية وحماية المال العام

القضية لا تتعلق فقط باتهامات متبادلة، بل تمس جوهر مشروع بناء دولة الحق والقانون. فإضعاف الجمعيات الجادة واتهامها بالابتزاز دون دليل، هو ضرب مباشر لمبدأ المساءلة والمراقبة. وهو ما يجعلنا نتساءل بجدية:

  • هل نحن أمام حملة ممنهجة لتشويه سمعة منظمات المجتمع المدني الجادة؟

  • لماذا تخيف مطالب الشفافية والنزاهة بعض الفاعلين السياسيين؟

  • وأين هو القضاء من كل هذه الاتهامات؟

في الختام:

صوت محمد الغلوسي، وإن كان حادًا في خطابه، يعكس إحباطًا عامًا من واقع لا يزال فيه الفساد مقيمًا، والمحاسبة غائبة، والمسؤولية تُستغل للاغتناء لا للخدمة. وبدل الهروب إلى الأمام عبر التهم الجاهزة، فإن الدولة مطالبة بتقوية آليات الشفافية، وتعزيز الحماية القانونية للمجتمع المدني، لأن السكوت عن المطالبين بمكافحة الفساد، يعني السماح بانتشار الفساد نفسه.