“من ملك الشباب إلى قائد التحديث: رحلة محمد السادس نحو إعادة صياغة المغرب كقوة إقليمية وطموح عالمي”

0
199
Le roi Mohammed VI à Rabat en novembre 2021. (AFP)

تحليل معمق للفيلم الوثائقي “رحلة الملك. مغرب محمد السادس”: قراءة في 25 عامًا من حكم جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله ورعاه.

في مساء السبت 12 أكتوبر، بثت القناة الإخبارية العامة لمجلس الشيوخ الفرنسي فيلمًا وثائقيًا بعنوان “رحلة الملك. مغرب محمد السادس”، مدته 52 دقيقة.




هذا الفيلم، الذي أخرجه الصحفيان إيف ديراي ومايكل دارمون، يقدم للمتابعين لمحة نادرة وعميقة عن الملك محمد السادس ومسيرته في الحكم على مدى 25 عامًا، مستعرضًا الوثائق الأرشيفية وشهادات شخصيات سياسية مغربية وفرنسية عاشت تجربة التعامل مع الملك.

ملك الشباب والنهج الجديد

الفصل الأول من الوثائقي يركز على تولي محمد السادس الحكم بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني في عام 1999، عندما كان يبلغ من العمر 36 عامًا. الملك الشاب، الذي لقب بـ”ملك الشباب”، اختار اتباع نهج مختلف عن والده، حيث أبدى تواضعًا أكثر في أسلوبه مقارنة بالحسن الثاني، والذي كان يعرف بصلابته وحزمه.

هذا التحول أثار العديد من التساؤلات حول مدى عمق هذا الاختلاف بين الملكين، وإلى أي مدى تمكن محمد السادس من إحداث تغيير حقيقي في المملكة؟

ولكن يبقى السؤال: هل نجح الملك محمد السادس بالفعل في كسر التقاليد الملكية الصارمة التي ورثها عن والده، أم أن هناك جوانب من الحكم لا تزال تخضع لقواعد قديمة؟ الوثائقي يحاول استكشاف هذا الجانب، ويقدم سردًا عن شخصية الملك بعيدًا عن الأضواء، في ظل غيابه الكبير عن الساحة الإعلامية وإدارته للشؤون الوطنية عبر الخطب الملكية الرسمية دون إجراء مقابلات إعلامية.

القوة الناعمة المغربية: دور الرياضة والثقافة

يمثل محمد السادس في الوثائقي “الملك التحديثي”، الذي ساهم في رفع مكانة المغرب على الساحة الأفريقية والدولية. نجاح المغرب في البنية التحتية والاقتصاد جعل من البلاد قوة إقليمية لا يستهان بها، حيث يشير الفيلم إلى مشروعات ضخمة مثل ميناء طنجة المتوسط وخطوط القطارات فائقة السرعة. إلى جانب ذلك، يسلط الوثائقي الضوء على التحولات الاجتماعية، ولكن من منظور ثنائي.

فبينما يبرز التقدم الاقتصادي، مثل تحقيق المغرب لمرتبة القوة الأفريقية الخامسة، تظهر الفجوات الاجتماعية بشكل أوضح مع كل تقدم يحققه المغرب، حيث برزت فجوة كبيرة بين الطبقات الاجتماعية، تم توضيحها من خلال تأثير الزلزال الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير في سبتمبر 2023.

“من ‘في بلادي ظلموني’ إلى ‘ديرو النية’: تحولات المجتمع المغربي من خلال الأغاني”

ومن خلال القوة الناعمة، شكل المغرب حضورًا كبيرًا في عالم الرياضة والثقافة. يشير الوثائقي إلى إنجاز المنتخب الوطني المغربي في كأس العالم 2022، كأول فريق أفريقي يصل إلى نصف النهائي، وهو إنجاز تاريخي عزز صورة المغرب على الساحة العالمية، ليعكس الدور الذي تلعبه الرياضة في تعزيز النفوذ المغربي. هذا النجاح الرياضي يعكس الانتقال من مرحلة أغاني الاحتجاج في الملاعب مثل “في بلادي ظلموني” في 2007 إلى أغاني التفاؤل والأمل مثل “ديرو النية ينصرنا الله” في 2022.

فهل يعتبر هذا النجاح الرياضي نتيجة جهود استراتيجيات القوة الناعمة التي يتبعها المغرب؟

المغرب والسياسة الدولية: بين القوى العظمى

من النقاط المحورية التي يطرحها الوثائقي هي دور المغرب في السياسة الدولية، وكيف أصبح محمد السادس لاعبًا رئيسيًا على الساحة العالمية. إلى جانب تحالفاته التقليدية مع الغرب، يظهر الفيلم توجيهًا جديدًا نحو تعزيز العلاقات مع روسيا والصين والهند، ليضع المغرب في موقف استراتيجي بين القوى العظمى.

ولكن، تبقى قضية الصحراء العنصر الأساسي في العلاقات الدولية المغربية، والتي تنظر الرباط من خلالها إلى العالم.

في هذا السياق، يشير الوثائقي إلى صفقة التطبيع مع إسرائيل، التي جاءت مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء المغربية. ومع ذلك، فإن الوثائقي تجاهل إلى حد كبير موقف جبهة البوليساريو الانفصالية، التي لا تزال تطالب بحق تقرير المصير في الصحراء المغربية.

كما أن الفيلم لا يعرج كثيرًا على قضايا حقوق الإنسان التي تثيرها المنظمات الدولية فيما يتعلق بحرية التعبير وقمع المعارضة في المغرب.

التحديات والآفاق: إصلاحات أم استمرارية؟

الفيلم الوثائقي يطرح العديد من الأسئلة الهامة: هل نجح الملك محمد السادس في قيادة المغرب نحو التقدم والإصلاحات الاجتماعية؟ أم أن الفجوة بين الطبقات وزيادة التفاوت الاجتماعي ما زالت تعوق التقدم الحقيقي؟ وماذا عن قضية حقوق الإنسان التي لا تزال تمثل تحديًا كبيرًا للمملكة؟

يبدو أن المغرب بقيادة محمد السادس استطاع أن يحقق نجاحات ملموسة في مجالات عدة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتقليص الفجوات الاجتماعية وتعزيز الحريات العامة.

يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع المغرب مواصلة هذا المسار من التقدم، أم أن التحديات الداخلية والخارجية ستقف عائقًا أمام طموحاته الكبيرة؟