من وراء استهداف المنتوجات الفلاحية المغربية وتفريغ محتوياتها في المدن الاسبانية؟

0
408

سبب تفوق صادرات المنتوجات الفلاحية المغربية إلى الاتحاد الأوروبي قلقا كبيرا لإسبانيا، ما دفع مزارعين اعترضوا شاحنات مغاربية وتفريغ محتوياتها في المدن الاسبانية ، حيث باتت الأوساط الاقتصادية تتخوف من منافسة الرباط في ظل ارتفاع عوائد صادرات المنتوجات الفلاحية المغربية خلال السنوات الأربع الأخيرة بصفة لافتة.

فبعد أن تداولت وسائل إعلام ونشطاء على الشبكات الاجتماعية فيديوهات جديدة توثق لما اعتبروه اعتداءات على شاحنات مغربية في أوروبا، خرجت هئيات فلاحية للتنديد بما تعتبره “هجمات” تستهدف الصادرات الفلاحية المغربية في الطرقات الأوروبية وفي الإعلام.

وتداول نشطاء صورا ومقاطع فيديو تظهر اعتراض مزارعين سبيل شاحنات مغاربية وتفريغ محتوياتها  في بعض المدن الإسبانية على غرار منطقة خيريس، في وقت تشهد دول أوروبية مظاهرات لفلاحين يطالبون بالحماية من الواردات الزراعية المنافسة، بما في ذلك البضائع القادمة من المملكة.

وعرفت دول أوروبية عدة احتجاجات من المزارعين الغاضبين الذين استعملوا الجرارات لقطع الطرق الحيوية في فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا.

وأصدرت الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (Comader)، بياناً يرفض ما وصفه بـ”هجمات أوروبية” على المنتجات الفلاحية المغربية، وفق ما أورده موقع التلفزيون المغربي الرسمي (SNRT).

وأعربت الهيئة المهنية للفلاحين عن قلقها “الشديد” إثر “الهجمات المتكررة التي لا أساس لها والتي تتعرض لها المنتجات المغربية، فضلا عن المغالطات الإعلامية التي تمس الفلاحين المغاربة باعتبارهم الضحايا المباشرين لهذه الهجمات”.

وأشار البيان إلى استعداد الكونفدرالية للعمل مع “شركائها الأوروبيين” من أجل “الحفاظ على العلاقات التجارية لفائدة الطرفين، في إطار الاحترام المتبادل لتدفق المنتجات الفلاحية”، لكنها في الوقت نفسه أكدت أنه “لا يمكنها السماح بأي تصرف غير مقبول”.

ويحتج المزراعون الأوروبيون ضد ما يصفونه بفرض معايير بيئية تؤثر سلباً على المردودية الفلاحية للمزارع المحلي، بينما يتم استيراد منتجات لا تتطابق مع نفس المعايير، خاصة تلك القادمة من بلدان الجنوب مثل المغرب.

ويحتج المزارعون في إسبانيا على “المنافسة غير العادلة” مع المنتجات المستوردة من دول “لا تحترم المعايير الأوروبية” على حد تعبير بيان صدر عن اتحاد مزارعين في إسبانيا.

كما يندد المزارعون الإسبان على غرار مزارعين أوروبيين في دول مجاورة بالسياسة الزراعية الأوروبية المعقدة جدا والمعايير المقيدة أكثر مما ينبغي والأسعار المنخفضة جدا على المنتجات.

وردّ رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، رشيد بنعلي، في تصريحات صحفية، قائلا إن “المهنيين المغاربة يرفضون تشويه سمعتهم من خلال الحديث عن استعمال المبيدات”، كما يرفضون أيضا “تخريب” المنتجات و”عرقلة” التصدير.

ولفت إلى أن هيئات المراقبة الأوروبية، مثل منظومة السلامة الأوروبية (RASFF) تؤكد أن المغرب “يحترم المعايير الأوروبية بالنسبة لجميع المنتجات بشكل عام”، وأن السلع المُصدرة “تستجيب بشكل دقيق وصارم، ودون استثناء، للمعايير القانونية المطلوبة بالأسواق المستوردة، المتمثلة أساسا في معايير التسويق والمعايير الصحية ومعايير الصحة-النباتية”.

وتواجه الصادرات الزراعية المغربية إلى أوروبا تحديات جديدة مع اكتساب “حراك الجرارات” زخما سياسياً، خاصة مع إمكانية لجوء السلطات إلى قرار رفع الرسوم الجمركية.

وتعتمد المملكة على الفلاحة التصديرية لاقتحام الأسواق الأوروبية، وتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، كما تعد من أهم مصادر العملة الصعبة التي تحتاجها المملكة لحصر المد التضخمي.

وعلى الشبكات الاجتماعية، انضمت صفحات مهنية ونشطاء إلى الحملات المطالبة بوقف ما تعتبره “اعتداءات” على المنتجات المغربية.

وكتبت مدونة تدعى كريمة أمزال أن “عشرات الشاحنات المغربية المحملة بالخضر والفواكه تتعرض للإتلاف”، مشيرة إلى أن “أزيد من 25 شاحنة مغربية عرفت الأربعاء صعوبة في المرور في إحدى الطرق السيارة بالخزيرات (إسبانيا، فيما تعرضت أربع منها في منطقة خيريس (شريش) لعملية تخريب”.

مدونون آخرون وصفحات اجتماعية نشرت فيديوهات قائلة إنها توثق لتعرّض شاحنة “تقل كمية كبيرة من طماطم الكرز المغربية للتخريب” في إسبانيا، وأن الشحنة كانت قادمة من مدينة أكادير (جنوب).

وانتقد الناشط، محمد أوموسي، ما وصفها بـ”الحملة” التي “تتعرض لها الطماطم المغربية في إعلام فرنسا وبلجيكا وألمانيا وغيرها من مزارعين غاضبين ولوبيات إعلامية يريدون جميعا شيطنة الطماطم المغربية واعتبارها سببا من أسباب مشاكلهم وكساد منتوجاتهم”.

وتابع: “المشكلة أن المستهلك في هذه الدول يرفض شراء الطماطم المحلية التي ينتجها مزارعو بلده ويزيد إقباله على طماطم المغرب لأنها الأرخص مقارنة بطماطم إسبانيا وفرنسا، والأحسن جودة رغم كل الروايات الكاذبة التي يتم الترويج لها”.

في نفس السياقة ، مقابل تطور صادرات القطاع الفلاحي والصناعات الغذائية، إذ تجاوزت قيمتها في نهاية شهر يناير من العام الماضي 50 مليار درهم كرقم معاملات. وتفيد معطيات الاتحاد الأوروبي بأن قيمة مجموع الصادرات المغربية من الخضر والفواكه صوب أوروبا بلغت أكثر من 1.8 مليار يورو إلى حدود شهر شتنبر من العام الماضي. وتتصدر الطماطم قائمة المنتجات الفلاحية الموجهة للخارج.

و بالتركيز في أول الأمر على هذا المنتج، وكميات الماء التي يتطلبها إنتاجه. البداية كانت من منطقة اشتوكة أيت باها نواحي أكادير، هناك حيث التقينا ياسين بلحرش، الفلاح الذي أكد أن المنطقة هي المزود الرئيسي للأسواق الوطنية في ما يخص الطماطم، خاصة في أوقات خارج موسم الصيف، وأشار إلى أن زراعة هكتار واحد من الطماطم تحتاج ما بين 20 إلى 25 لترا مكعبا من الماء، أي إنه في المتوسط لإنتاج كيلوغرام واحد من الطماطم يتم استهلاك من 25 حتى 30 لترا من الماء.

يواجه المغرب جفافا قاسيا يهدد الموسم الفلاحي للموسم السادس على التوالي رغم الآمال في سقوط أمطار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويبدو أن معضلة هذا العجز البيئي في تساقط الأمطار معضلة تتطلب مراجعة السياسة الفلاحية برمتها.

ووفق معطيات وزارة الفلاحة المغربية خلال الموسم الماضي فقد بلغت صادرات الطماطم أكثر من 700 ألف طن، أي بزيادة قدرها 4 بالمائة مقارنة مع الفترة الأسبق؛ فيما تطلب إنتاج هذه الكمية 21 مليار لتر من الماء.

وأكد بلحرش أن المنطقة تتوفر على ثلاثة مصادر للماء، الأول هو سد يوسف ابن تاشفين، والثاني هو المياه الجوفية الموجودة في الآبار، التي “اضطررنا مؤخرا للزيادة في عمقها للحصول على صبيب معقول”؛ ثم المصدر الثالث، وهو تحلية مياه البحر، مشيرا إلى أن المصدر الأخير ليس متاحا لكل فلاحي المنطقة، ناهيك عن غلائه، إذ تصل تكلفته إلى 5.20 درهم للتر الواحد، “وفي المقابل كانت تكلفة ماء السد هي 0.80 درهم للتر، أما تكلفة مياه الآبار فهي ما بين درهم ونصف ودرهمين للتر”.

على مدار السنوات صدرت البلاد كميات متزايدة من الطماطم، وفي المقابل عرف احتياطي سد يوسف ابن تاشفين الذي يسقي أهم مناطق الإنتاج تراجعا ملحوظا.

لا فلاحة بدون تصدير

يؤكد المنتجون أن التصدير هو الذي يمكنهم من الاستمرار في نشاطهم. وفي هذا الإطار أوضح عبد العزيز المعناوي، رئيس جمعية اشتوكة للمنتجين الفلاحيين، أن الهكتار الواحد من الطماطم يكلف ما بين 70 و90 مليون سنتيم، فيما تواجه الفلاحين عدة مشاكل وتحديات حتى تحصيل المنتج، وهو معرض لندرة المياه والتغيرات المناخية وغيرها.

وقال المعناوي إن “المنتج المغربي بات اليوم ينافس منتج دول كبرى مثل إسبانيا وهولندا وألمانيا وغيرها، وهو ما يضمن استمرارية المجال الفلاحي”، واعتبر أن “التصدير هو الذي يضمن استمرارية المجال الفلاحي ويحافظ على وظائف العاملين به، وبالتالي ضمان أمن غذائي وسلم اجتماعي”.

وأضاف المتحدث ذاته أنه “عند الحديث عن تصدير الماء لابد من وضع مقارنة شاملة، وليس فقط التركيز على الخضر، حتى لا يتم تمرير أي نوع من المغالطات”، مردفا: “فمثلا كيلوغرام اللحم يحتاج ما بين 200 و300 لتر من الماء، أي كمية أكثر من الطماطم”.

 

ورغم أن الطماطم تحتل الرتبة الأولى على كفة التصدير إلا أنها ليست أكثر المنتجات الفلاحية المستهلكة للماء، فالخبراء يعددون أسماء منتجات أخرى تتطلب مئات اللترات من هذه المادة الحيوية لإنتاج كيلوغرام واحد.

وقال يوسف الشرحابيلي، مهندس زراعي وخبير في إنتاج الخضر والفواكه، إن “بعض الخضر والفواكه تستهلك الماء بشكل قليل، مثل الطماطم والبطيخ الأحمر، لكن يقال إنها تستهلك الماء بشكل كبير، وعند الملاحظة نجد أنها لا تفوق 50 لترا في كل كيلوغرام، وفي المقابل هناك فواكه أخرى مثل الأفوكا أو الموز تستهلك أكثر من 300 لتر في الكيلوغرام، إلى جانب الحوامض التي تستهلك أكثر من 250 أو 300 لتر من الماء”.

وأضاف الشرحابيلي أنه بالنسبة للأفوكادو تتم زراعته في مناطق الغرب، حيث مازالت الفرشاة المائية متوفرة، وبالتالي حتى تكلفة الإنتاج تكون أقل.

تزايد صادرات الأفوكادو

ضمن مسار البحث عن أكثر المنتجات الفلاحية استهلاكا للماء، دائما ما يتكرر ذكر الأفوكادو، هذا المنتج الذي بدأت صادراته ترتفع سنة بعد الأخرى، وهو ما دفعنا إلى زيارة صاحب ضيعة فلاحية تذهب جميع منتجاتها للتصدير، وهو محمد الدرقاوي، مهندس زراعي ومنتج للأفوكادو، ينفي أن تكون هذه الفاكهة مسؤولة عن استنزاف الماء.

وقال الدرقاوي: “نحن في هذه الضيعة الفلاحية نقوم بالسقي لمدة ست ساعات في اليوم، خلال الفترة الممتدة من أواخر مارس حتى أكتوبر، ثم بعدها نكتفي بالسقي مرة في الأسبوع أو مرة في 15 يوما، لأنه في فصل الشتاء لا حاجة للسقي، لأن الشجرة غير منتجة في هذه الحالة”.

وقال المهندس الزراعي إنه يستخرج حوالي 30 طنا من الماء في الساعة يوميا من البئر المتواجد وسط الضيعة، وبالتالي يستعمل ما يقارب 7000 أو 7500 متر مكعب من الماء للهكتار دون احتساب التساقطات المطرية، وهو ما يمكنه من الحصول على محصول 15 طنا من الأفوكادو في الهكتار الواحد.