في لحظة سياسية واجتماعية حساسة تمر بها المملكة المغربية، يطل الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، بمقال يحمل في طياته أكثر من مجرد رد على انتقادات موجهة لشخصه وحزبه. المقال، الذي جاء بعنوان “بين بنهادي وبوعبيد.. حين يلتقي الخطان المتوازيان لضرب المشترك بين المغاربة”، ليس مجرّد تعليق على خطابين متباينين، بل قراءة عميقة في خطر تشتّت الوحدة الوطنية في ظل خطاب سياسي يدفع باتجاه تهميش المشترك بين المغاربة، سواء أكان هذا المشترك دينياً، ثقافياً أو وطنياً.
السياق الزمني والرسالة المضمرة
اختيار أوزين للنشر في فترة العطلة السياسية الصيفية يعكس رغبة واضحة في إحداث صدمة أو توجيه رسالة واضحة وسط هدوء المشهد السياسي. فالخطاب السياسي لا يعرف عطلة، وأوزين يحرص على أن يظل صوت حزبه، الصوت الذي يدافع عن الوحدة الوطنية ومبادئ التعايش، مسموعاً بقوة، مستفزًا، ومحرضًا على نقاش وطني عميق.
بين بنهادي وبوعبيد.. خطابان متوازيان
في تحليله، يشير أوزين إلى أن كلًا من علاء الدين بنهادي وعلي بوعبيد، رغم اختلاف خلفياتهما وأهدافهما الظاهرة، يشتركان في محاولة تقويض المشترك الوطني. بنهادي، بحضوره اللغوي المترف، يوظف خطابًا يعيد إنتاج سرديات تاريخية مشكوك في صحتها، تخدم أهدافًا سياسية وأيديولوجية تضع علامات استفهام حول ولاء وانتماء بعض مكونات المجتمع المغربي. أما علي بوعبيد، فهو يُختزل الخطاب الوطني عنده إلى مواقف ظرفية مرتبطة بأزمات إقليمية، مما يُفقد الوطنية عمقها القانوني والثقافي ويجعلها لعبة ظرفية متقلبة.
هذا التحليل يكشف أزمة عميقة في العقل السياسي المغربي، حيث يتبدل خطاب الوطنية بين صيغ الإقصاء والتجزيء، بدلاً من استثمار التنوع والتعدد لبناء وحدة وطنية متماسكة.
المواطنة بين الانتماء القانوني والمواقف السياسية
يُبرز أوزين، بصفته أمينًا عامًا لحزب يؤمن بالتعددية والاختلاف، أهمية النظر إلى الوطنية كمفهوم متكامل: انتماء قانوني، شعوري، تاريخي، ثقافي، وتعاقدي مع الدولة والمؤسسات، لا مجرد تفاعل لحظي مع قضايا سياسية أو إقليمية. ويدافع بشراسة عن مغاربة من أصول دينية مختلفة، مثل المغاربة اليهود، الذين كانوا جزءًا من النسيج الوطني لا يُشكك في ولائهم.
هذه النظرة تعكس إحساسًا عميقًا بالمسؤولية تجاه حفظ التعايش الوطني في مواجهة محاولات إعادة إنتاج خطاب الإقصاء على خلفيات دينية أو سياسية.
الخطاب الملكي: رمز الوحدة وليس أداة الاستقطاب
يذكّر أوزين الجميع بأن خطاب الملك، الذي هو حامي الوحدة والحرية الدينية، لا يجب أن يُستغل في نزاعات إيديولوجية أو شعبوية. فالملك أمير المؤمنين، الضامن للعيش المشترك، لا يمكن أن يكون طرفًا في حسابات سياسية ضيقة، ولا ينبغي تحريف كلماته أو استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية.
هذا التذكير يمثل صرخة فكرية تدعو إلى احترام مؤسسات الدولة ورمزيتها، وإلى الفصل بين الخطاب الرسمي والحمّى السياسية.
المسكوت عنه: هل ثمة حلول مقترحة؟
رغم عمق التحليل، يفتقر المقال إلى تقديم حلول أو رؤية عملية تعالج أزمة الخطابين أو تتجاوزها إلى بناء وطن جامع. يظل الخطاب دفاعيًا أكثر منه بناءً، ويغيب عنه تحديد آليات عملية لتعزيز المواطنة أو خلق حوار وطني شامل يضم مختلف الأطراف.
هذا الفراغ هو ما يفتح الباب لمزيد من الجدل السياسي، ويطرح سؤالًا مركزيًا: كيف يمكن تجاوز خطاب التفرقة إلى خطاب الوحدة والاندماج؟
أبعاد الموضوع وطنياً ودولياً
محليًا، يعكس المقال توترًا سياسيًا بين من يريد تحويل الوطنية إلى صراع إيديولوجي ومن يرى فيها قيمة جامعة تُعلي من التضامن والتعايش. دوليًا، يقف المغرب كجزيرة متسامحة وسط محيط إقليمي يعج بالصراعات الطائفية والسياسية. إن الحفاظ على هذه الصورة الوطنية يتطلب خطابًا موحدًا يرفض كل محاولات التفتيت والتشكيك في الولاء الوطني.
خاتمة
مقال محمد أوزين هو دعوة صريحة للعودة إلى جوهر الوطنية المغربية التي تعلو فوق كل الخلافات السياسية والإيديولوجية. هو تأكيد على أن الوطن ليس ملكًا لأحد، بل هو المشروع المشترك الذي يحتاج إلى تعزيز قيم الوحدة والعيش المشترك. مع ذلك، فإن نجاح هذه الدعوة رهين بتطوير خطاب سياسي جديد يتجاوز حدود الدفاع ويقدم رؤية واضحة لمستقبل المغرب المتعدد والمتنوع.