من يعرقل إقرار السّنة الأمازيغيّة عطلة رسميّة في المملكة المغربيّة؟

0
499

على الرغم من مرور 10 سنوات على دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، لكن عدة مبادرات ومرافعات أخفقت في جعل رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المملكة.

ولم يتضح إلى الآن ما إذا كانت الحكومة التي يرأسها عزيز أخنوش، تنوي الإقرار بترسيم ما يعرف بـ “إيخف أوسكواس” (أي رأس السنة بالأمازيغية) عيدا وطنيا، رغم أن البرنامج الحكومي تضمن التزاما بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وخصص صندوقا بميزانية مليار درهم بحلول 2025 ( نحو 108 ملايين دولار).

وبدا الموقف الحكومي غير واضح بخصوص رأس السنة الأمازيغية، لأن الوزير باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، سئل حول الموضوع، فاكتفى بقول “سنحتفل برأس السنة الأمازيغية كما يجب وبقوة”، دون أن يوضح شكل هذا الاحتفال.

ويستند الداعون إلى إقرار “إيض يناير” عيداً وطنياً إلى الوثيقة الدستورية التي اعترفت بالأمازيغية لغة رسمية عام 2011، وما ينجُم عن ذلك من مشروعية قانونية في الدفع بإقرار الحقوق الأمازيغية في البلاد، ومن بينها رأس السنة الأمازيغية الذي يحظى بمكانة خاصة لدى أمازيغ المغرب، إذ تعدّ احتفالية ليلة 13 كانون الثاني (يناير) موروثاً ثقافياً يمتد لأزيد من 33 قرناً. وتجسد هذه الاحتفالية الشعبية ارتباط أمازيغ شمال أفريقيا بالأرض، من خلال اعتماد بعض الطقوس التقليدية الموغلة في القدم والمرتبطة أساساً بالطبخ والغناء والاحتفاء بالأرض وما أنتجته طيلة السنة الفلاحية.

لا مُبرر لتأخير الترسيم

في تعليقه على تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، اعتبر الناشط والباحث في الشأن الأمازيغي، عبد الله بادو، أن الأمر “يترجم غياب إرادة حقيقة للدفع بملف الأمازيغية، لأن الوزير تهرب من الإدلاء بموقف الحكومة تجاه مطلب ناضل من أجله المدافعون عن الأمازيغية طيلة عقود”.

ويرى بادو، أنه “لا يوجد شيء يُبرر تأخر الحكومة في ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا؛ لأن الخطوة لن تكلف الدولة الشيء الكثير، بل ستساهم في تعبئة كل المواطنات والمواطنين للانخراط في الجهود والمبادرات الوطنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.

كما يرى الباحث أن ترسيم يوم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، تمليه “اعتبارات سياسية وثقافية واجتماعية، تتمثل أساسا في جعل المكتسبات مناسبة لتقييم التقدم الحاصل في ملف ترسيم الأمازيغية، إلى جانب مصالحة المغاربة مع تاريخهم وهويتهم الثقافية، وتعزيز الانتماء للوطن، وتملك قيم التعدد والتنوع الثقافي والعيش المشترك”.

ويعتقد عضو “منظمة تماينوت” الأمازيغية (غير حكومية)، هشام المستوري، أن عدم إعلان الحكومة لرأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا ويوم عطلة كباقي الأعياد، يضر بالبلاد وبمصالحها أكثر من أي شيء آخر، “مما يستدعي استحضار الحكمة”.

في حديثه لـ”موقع سكاي نيوز عربية”، ذكر المستوري أن “خطاب الحركة الأمازيغية مؤسس على العقلانية وليس الأوهام، وبفضله تحققت تحولات مهمة على مستويات مختلفة ذات وقع إيجابي في البلاد”.

وأوضح المتحدث ذاته أن ” الأمازيغية هي صلب الهوية بالمغرب وصمام الأمان الحقيقي الذي يضمن التعدد ويحقق العيش المشترك، اعتبارا لأصليتها وأصالتها على مستويات متعددة”.

ويضيف المستوري “المطلب الشعبي الذي يقابله عدم التزام رسمي، يجد أحقيته في التخليد استنادا لاعتبارات كثيرة جدا؛ يتداخل فيها التاريخي بالأنثروبولوجي والسوسيولوجي، بالإضافة إلى رمزيته في منطقة شمال إفريقيا وجنوب الصحراء”.

ويؤكد الباحث الأنثروبولوجي الأمازيغي، الحسين آيت باحسين، أن “الاحتفال بالسنة الأمازيغية انتعش مع التجديد الثقافي الأمازيغي وعمل الحركة الأمازيغية على إكساب المناسبة دلالة رمزية ثقافية واجتماعية”.

ويضيف باحسين أن ذلك يتأتى من خلال “ضرورة الحفاظ على هذا الاحتفال كتراث غير مادي، مع السعي إلى تطويره ليساهم في الدينامية الجديدة للثقافة الوطنية ، فضلا غت تثمين الذاكرة الجماعية والتاريخ الوطني”.

وأبرز ذات المصدر، أن للاحتفال برأس السنة الأمازيغية “دلالات كثيرة وعميقة من الناحية الرمزية والأنثروبولوجية، على رأسها التعود على تدبير الندرة أو القلة، والوعي بضرورة خلق الانسجام مع البيئة، والاعتزاز بالخصوصيات الثقافية والهوياتية، وتمرير الذاكرة التاريخية للأجيال المستقبلية”.

وأضاف آيت باحسين، أن “كل المغاربة تقريبا، سواء من الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، يحتفلون برأس السنة الأمازيغية ليلة 13 يناير، مع تنوع في عادات وتقاليد وطقوس الاحتفال، ويتم إعداد أطباق بالمناسبة مما تجود به الطبيعة ومما يتوفر لدى ساكنة كل منطقة من تلك المناطق”.

وخلص الباحث الأنثربولوجي إلى أنه “إذا تجاوزنا مشكلة الجذور التأريخية للتقويم الأمازيغي، باختيار فترة ساهم فيها الأمازيغ في الحضارة المصرية الفرعونية بوصول شيشانق الأول إلى السلطة السياسية سنة 950 قبل الميلاد، سنلاحظ بأن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية مدني بامتياز؛ لأنه يكاد يكون الاحتفال الوحيد الذي يقام خارج فضاءات ذات وظيفة تعبدية”.

ويُطلق على رأس السنة الأمازيغية اسم “إيض يناير” (ليلة يناير)، وتوافق 13 يناير سنويا.

و”الأمازيغ” هم شعوب أهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.

لماذا الاحتفال بالسّنة الأمازيغيّة؟

وتزامناً مع السنة الأمازيغية، تعقد الهيئات السياسية والمدنية احتفالات بهذه المناسبة، وفق برامج تتضمن ندوات فكرية وسهرات فنية واستعراضات في الشارع العام وغيرها من الأنشطة. إلى جانب حضور أكلة ”تاكلا” (أكلة أمازيغية بحبوب القمح والذرة) وهي الأكلة الضرورية التي لا يجوز الاحتفال من دونها في الثقافة الأمازيغية لما لها من دلالات تاريخية وأخرى ترتبط بالموسم الفلاحي، بحسب عدد من المؤرخين ومتتبعي الشأن الأمازيغي.

وترمز “تاكلا” عند الأمازيغ إلى التآزر والتضامن لكونها تقدم في إناء دائري مشترك، ويتقاسمها أفراد الأسرة، كما تعبّر عن مواساة الطبيعة في ألمها تلك الليلة التي ستتمخض عنها سنة جديدة، بحسب استطلاع آراء أمازيغ.

وتعتمد الأكلة الأمازيغية بالأساس على الغلال الزراعية التي ينتجها الفلاح الأمازيغي البسيط في مزارعه، كما تعكس ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه، وخلال لحظات تقديمها، تنطلق أجواء المرح والرقص على نغمات الفرق المحلية الأمازيغية في حفلات عامة، وبموسيقى مماثلة حينما تقدّم في المنازل والبيوت مع الأسر والعائلات.

وقال الحسين آيت باحسين، الباحث المختص في الثقافة الأمازيغية، إنه يطلق على “تاكلا” في مناطق أخرى من المغرب اسم “تاروايت”، شارحاً أن هذا الاسم الأخير اشتق من فعل “روي” الذي يعني بالأمازيغية “حرِّك”، لأنه ينبغي تحريك الوجبة باستمرار أثناء طبخها، والتي تسمى عند الناطقين بالعربية “الثريد أو العصيدة”.

وأضاف أن منها “تاروايت تمزين” (بالزاي المفخمة)؛ ومعنى هذا النوع، بالأمازيغية، “عصيدة الشعير” أي المهيأة من دقيق الشعير، والنوع الثاني “تاروايت أوسنكار”، ومعنى هذا النوع، بالأمازيغية، “عصيدة الذرة”، أي المهيأة من دقيق الذرة، وقد أصبحنا نجد نوعاً جديداً يسمى “تاكلا ن روز” أي المهيأة من حبوب الرز.

وألفت الى أن من الصعب تحديد تاريخ بداية احتفال الأمازيغ برأس السنة لأنه احتفال قديم جداً له علاقة بالاحتفاء بالأرض وبخيراتها ودورانها وتعاقب فصول السنة، ولهذا يحمل اسم “السنة الفلاحية”، كما يحمل تسميات أخرى بحسب المناطق، مثل “إيخف أوسكاس” (رأس السنة) و”إيض أوسكاس” (ليلة السنة) و”إيض إيناير” (ليلة يناير) و”حكوزا”.

وأخيراً، مع ظهور الوعي الهوياتي الأمازيغي، أصبح هذا الاحتفال يحمل اسم “رأس السنة الأمازيغية”، إذ صار يُحتفل به في عموم شمال أفريقيا، أي بلاد الأمازيغ، سواء من طرف الناطقين بالأمازيغية أم العربية. وللإشارة، فهناك مناطق أخرى في العالم تحتفل أيضاً بدخول سنة جديدة في التوقيت نفسه، أي 13 كانون الثاني (يناير). 

 

 

 

 

 

 

بنكيران: لقد كبرنا ولم نعد في حاجة إلى “التوحيد والإصلاح”..إذاً هو “الطلاق”بين “العدالة والتنمية” و “حركة التوحيد والإصلاح” الدعوية