من يُفرغ المغرب من شبابه؟بين الهجرة المنظمة والهوية المهددة: هل يدخل المغرب مرحلة “إحلال ديموغرافي ناعم”؟

0
285

لطالما كانت العلاقة بين المغرب وعمقه الإفريقي علاقة مركبة تجمع بين روابط روحية، تاريخية، ومصالح سياسية واقتصادية. فمنذ عهد المرابطين وحتى الإمبراطورية الشريفة، لعب المغرب دورًا محوريًا في غرب إفريقيا، متسلحًا بشرعية إمارة المؤمنين التي جعلت منه مرجعية دينية وسياسية في القارة.

لكن هذه العلاقة لم تكن ثابتة على نفس الوتيرة عبر الزمن. مع عودة المغرب القوية إلى الاتحاد الإفريقي، وانطلاق مبادرات التعاون الاقتصادي والديني، ظهر جيل جديد من العلاقات يتشكل في ظل تحولات إقليمية ودولية، خاصة مع تراجع نفوذ بعض القوى التقليدية وصعود فاعلين جدد كالصين وتركيا.

وسط هذه الدينامية، تبرز مخاوف حقيقية من تحوّل هذا الانفتاح إلى مدخل لمخطط خارجي يهدف إلى تفريغ المغرب من نخبه وشبابه عبر قوارب الهجرة، وتعويضهم تدريجيًا بتوطين أعداد متزايدة من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في المدن الكبرى والجهات الفارغة سكانيًا، تحت شعارات الاندماج والتعاون جنوب-جنوب.

قراءة في الأرقام والسياسات

تشير تقارير رسمية إلى أن أكثر من 200 ألف شاب مغربي يهاجرون سنويًا، فيما تصل نسبة الراغبين في الهجرة إلى أكثر من 70٪ في بعض الدراسات، خصوصًا من الفئات المتعلمة والحضرية.

في المقابل، تشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود ما بين 60 إلى 100 ألف مهاجر إفريقي جنوب الصحراء يقيمون بشكل دائم أو مؤقت في المغرب، يتركز أغلبهم في المدن الكبرى، وسط جهود رسمية لتقنين أوضاعهم ومنحهم الإقامة، والعمل، والتكوين.

المغرب، الذي كان من أول الدول التي وقعت الميثاق العالمي للهجرة في مراكش عام 2018، أصبح تحت ضغط سياسي وأخلاقي لقبول أعداد متزايدة من المهاجرين، بدعم من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

على هذا الصعيد، تلعب الدول الأوروبية دورًا محوريًا من خلال تمويلات ضخمة تدعم المغرب في ضبط ملف الهجرة، حيث حصل المغرب على 236 مليون يورو من صندوق الطوارئ الإفريقي (EUTF) لدعم الاستراتيجية الوطنية للهجرة التي تشمل حماية المهاجرين، العودة الطوعية، ومسارات قانونية بديلة.

وفي مارس 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية حزمة دعم إضافية بقيمة 624 مليون يورو تغطي قطاعات متنوعة تشمل الهجرة، الأمن الاجتماعي، التحول الأخضر، والإصلاح الإداري، وذلك ضمن سياسة الجوار الشرقي والأوروبي الموسع.

رغم أهمية هذه التمويلات، إلا أنها خلقت فجوة في الفهم الداخلي: هل هي مساعدات إنسانية حقًا، أم أدوات لهندسة سكانية ناعمة؟ فبينما تُعرض كدعم للسياسات الاجتماعية، يشعر جزء من الرأي العام أن الهدف الخفي هو تغيير البنية السكانية تدريجيًا تحت غطاء “الهجرة المنظمة”.

على المستوى الأمني، كشف تقرير رسمي أن المغرب أفشل 78,685 محاولة هجرة غير شرعية نحو أوروبا خلال سنة 2024، بزيادة 4.6٪ عن العام السابق. إلا أن تقارير صحفية دولية (مثل Le Monde وReuters) اتهمت بعض الأجهزة باستخدام التمويلات الأوروبية في عمليات ترحيل قسرية وغير إنسانية للمهاجرين، خصوصًا في المناطق الصحراوية، ضمن ترتيبات “الردع المسبق” للهجرة.

وفي الجانب المحلي، بدأت عدة جماعات محلية في مدن مثل الشمال، الرباط، سلا، والدار البيضاء تنفيذ برامج إدماج تشمل السكن والتكوين، أحيانًا بموازاة أو حتى بتفوق على ما يُقدم للشباب المغربي في وضعيات هشاشة، مما يطرح تساؤلات حول العدالة الاجتماعية والتوازن بين السكان.

هناك أيضًا تساؤلات مشروعة حول خلفية بعض المشاريع الاستثمارية التي تشترط توظيف المهاجرين الأفارقة ضمن اتفاقيات التمويل والتنمية، مما يفتح الباب أمام تغييرات ديموغرافية مستقبلية قد تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

إلى أين نحن ذاهبون؟ وما البدائل؟

هل نحن أمام سياسة دولة مقصودة تهدف إلى تغيير البنية الديموغرافية للمغرب؟ أم أنها مجرد ضغوط دولية تحت غطاء حقوق الإنسان والهجرة الشرعية؟ وهل تأخذ هذه السياسات في الاعتبار العمق التاريخي لهوية المغرب كدولة إسلامية أمازيغية عربية إفريقية متوازنة؟

المطلوب اليوم ليس جلد الذات ولا تبني خطاب عنصري، بل:

  • صياغة سياسة سكانية وطنية واضحة تحمي التوازن الديموغرافي للمغرب، وتحترم السيادة الوطنية بعيدًا عن إملاءات المنظمات الدولية.

  • التمييز بين الهجرة النظامية المبنية على الشراكة والتكامل، وبين الإحلال التدريجي الذي قد يهدد استقرار البلاد ويزيد من احتقان الفئات المهمشة.

  • إعادة الاعتبار لمفهوم إمارة المؤمنين باعتبارها إحدى الركائز الأساسية في العلاقة مع إفريقيا، مع التأكيد على أن هذه العلاقة يجب أن تبقى عمودية (روحية واقتصادية) لا أفقية (إحلال وتوطين).

  • تثبيت الشباب المغربي في وطنه عبر مشاريع حقيقية للتشغيل، السكن، والتعليم، بدل دفعه للهجرة وترك المجال للفراغ السكاني.

مقترحات الاتجاه نحو المستقبل:

  1. استراتيجية وطنية للهجرة العكسية: برامج تشجع الكفاءات على العودة أو البقاء وتدعم الأرواح الشابة كمورد وطني لا يُعوّض.

  2. ضوابط لهجرة الوافدين: ترشيد الاستقبال نحو التوازن مع احتياجات السوق، التركيز على الإدماج المتقن قانونيًا واجتماعيًا.

  3. مشروع تنموي للتماسك الوطني: دعم الهوية الوطنية واللغوية من خلال التعليم، سوق الشغل، وتكريس المواطنة.

خاتمة: بين السياسات والوعي المجتمعي

الرهان اليوم ليس فقط على سياسات الدولة، بل على وعي النخب، وتعبئة المجتمع المدني، وعودة الإعلام المغربي الجاد لتحليل هذا المسار المقلق.

قبل أن نصحو ذات يوم على مغرب بهوية مشوشة وبنية سكانية مستوردة… تحت لافتة “التسامح والتنوع”، يجب العمل بشكل جماعي على حماية المغرب من مخاطر إهمال ملف الهجرة والتوازن الديموغرافي، والحفاظ على عمقه الإفريقي كما كان دومًا، مزيجًا غنيًا من التاريخ، الدين، والهوية الوطنية.