مدخل تأملي في لحظة يُفترض أن تكون احتفالية، تحولت الدورة العشرون من مهرجان “موازين.. إيقاعات العالم” إلى مرآة تعكس ليس فقط ارتباك التنظيم، بل أزمة أوسع في تصور الثقافة كرافعة استراتيجية في النموذج التنموي المغربي. بدل أن تكون الدورة مناسبة للاحتفال بعقدين من تراكم التجارب والانفتاح على العالم، جاءت مليئة بالتعثرات، لتطرح أسئلة جوهرية حول دور الدولة، مكانة الإعلام، علاقة الجمهور بالمؤسسات، وحدود المشروع الثقافي الوطني.
من مهرجان عالمي إلى مشهد مضطرب: هل فقد موازين بوصلته؟ لم يكن خفوت هذه الدورة وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكم مؤشرات بدأت في الظهور منذ سنوات، غير أن دورة 2025 جاءت لتفجّر الخلل دفعة واحدة. فبين غياب استراتيجية رقمية واضحة، وتدبير تواصلي متذبذب، وتضارب قرارات اللحظة الأخيرة، فقد المهرجان هيبته أمام الصحافة والجمهور معاً.
الارتباك بلغ مداه مع القرار المفاجئ لنقل الندوات الصحافية إلى “فيلا الفنون”، دون إشعار مسبق، مما خلف إرباكا كبيرا لدى ممثلي وسائل الإعلام، الذين فوجئوا بمكان مجهز جزئياً، ومواعيد مربكة، وبرامج تُبدَّل في آخر لحظة. فهل نحن أمام ارتجال عرضي؟ أم أن هناك غيابا مزمنا للتخطيط الثقافي المؤسساتي؟
الصحافة الوطنية: الغائب الحاضر أم المُقصى؟ الندوات الصحافية بدت فارغة، والمقاعد خاوية، والميكروفونات معدودة. هذا ليس مشهداً عادياً، بل مؤشراً على قطيعة صامتة بين الإعلام الوطني وإدارة المهرجان. صحافيون من مؤسسات رائدة أعلنوا مقاطعة التغطية، احتجاجاً على ما اعتبروه تهميشاً و”احتقارا” لدورهم.
فهل يعكس هذا الاحتقان أزمة فهم لوظيفة الإعلام؟ هل لا يزال يُنظر إليه كشريك نقدي ومهني، أم مجرد أداة ترويجية؟ ولماذا يغيب الحوار المؤسسي بين المنظمين وممثلي الصحافة، رغم تراكم التجربة والعلاقات؟
جمهور مستاء: هل بدأت القطيعة؟ الغضب لم يقتصر على الإعلام. جمهور سهرات الافتتاح اشتكى من سوء التنظيم، تأخر فتح الأبواب، غياب مقاعد، وضعف في التواصل. هذه الفوضى التنظيمية خلفت استياءً واسعاً، وطرحت سؤالاً مُقلقاً: هل بدأت الثقة تتآكل بين المهرجان وجمهوره؟ وهل يمكن أن تنهار صورة مهرجان عالمي بسبب ضعف في تدبير التفاصيل؟
في زمن الرقمنة… موازين خارج الشبكة غياب بث مباشر للندوات، تأخر التغطية الرقمية، وانعدام التواصل الفوري مع الجمهور الرقمي، تكشف عن غياب تام لاستراتيجية رقمية. في وقت أصبحت فيه المنصات الرقمية الواجهة الأولى للمهرجانات الكبرى عبر العالم، لا يزال موازين يعتمد منطق التواصل التقليدي.
فهل يعكس ذلك محدودية في الإمكانيات؟ أم غياب رؤية رقمية تواكب جمهوراً أصبح اليوم أكثر اتصالاً وتفاعلاً من أي وقت مضى؟
البعد السياسي والثقافي: هل الدولة جزء من الأزمة؟ من الصعب قراءة أزمة موازين دون استحضار السياق السياسي والثقافي العام. فضعف الحضور المؤسسي لوزارة الثقافة، وغياب النقاش العمومي حول سياسة المهرجانات، يضع الدولة في قلب التساؤلات: هل لا تزال ترى في الثقافة وسيلة للتنمية والديبلوماسية الناعمة؟ أم مجرد مناسبات عابرة؟ وهل هناك تصور استراتيجي لتمويل واستدامة التظاهرات الفنية الكبرى؟
في المقارنة: كيف واجه الآخرون نفس الأزمة؟ مهرجانات كبرى مثل “مونترو للجاز” أو “جاويزراوك” مرت بأزمات تنظيمية مشابهة، لكنها واجهتها عبر الانفتاح على الجمهور، إشراك الإعلام، والاستثمار في الرقمنة. فهل لدى موازين القدرة والإرادة للقيام بالمراجعة؟
الختام: نحو جيل جديد من المهرجانات؟ إذا كانت الدورة العشرون قد كشفت أزمة، فهي أيضًا فرصة. فرصة لتصحيح المسار، لإعادة تعريف العلاقة بين الثقافة والدولة، بين الإعلام والمؤسسة، بين الجمهور والمحتوى. لأن المهرجانات، كما الدول، لا تستمر إلا إذا احترمت ذكاء جمهورها، وانفتحت على النقد، واشتغلت برؤية.
ولعل البداية الحقيقية تبدأ من الاعتراف: موازين في أزمة. ولكن هل من إرادة للإنقاذ؟